محمد دياب يكتب.. السعودية وترامب استثمار أم تأمين المستقبل؟
في السياسة كما الاقتصاد لا شيء يُمنح دون مقابل ولا قرارات تُتخذ عبثاً، عندما طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من السعودية استثمار 500 مليار دولار في بلاده كان يُدرك أن الرياض ستستجيب ليس من باب الكرم بل لأن المعادلة واضحة، المال في مقابل النفوذ والاستقرار في مقابل الولاء، لم يتأخر الرد من ولي العهد محمد بن سلمان بل تجاوزه بإعلان استعداد المملكة ضخ 600 مليار دولار خلال أربع سنوات مع ترك الباب مفتوحاً للمزيد.
ترامب الذي يتقن فن المساومة لم يكتفِ بذلك بل طالب بالمزيد ليصل سقف المطالب إلى تريليون دولار إلى جانب خفض أسعار النفط في إشارة واضحة إلى أن المصالح الأمريكية لا تعرف حدوداً وأن المملكة مطالبة دائماً بدفع الثمن إن لم يكن بالاستثمارات ف بالتنازلات الاستراتيجية.
لكن خلف هذه الأرقام الفلكية، يقف بن سلمان بخطة محكمة، فهو يعرف أن المال الذي يُدفع اليوم استثماراً أفضل من أن يُدفع غداً ثمناً لمغامرات غير محسوبة، التجارب الإقليمية واضحة، العراق وسوريا نماذج حية لدول دفعت ثمن التردد وعدم التحرك المبكر، فالتكلفة الآن تُدفع للنفوذ بدلاً من الفوضى والاستثمار في الشراكة الاستراتيجية أكثر أماناً من مواجهة مصير مجهول.
البعض يرى في هذه الخطوة تسرعاً ويتساءل: لماذا لا تُضخ هذه الأموال في الداخل السعودي أو في مشاريع تنموية عربية تعود بالنفع المباشر؟، لكن محمد بن سلمان ببراجماتيته السياسية يدرك أن الأمن أولى من التنمية، وأن الاستقرار السياسي أكثر أهمية من أي استثمار اقتصادي خاصة في منطقة تتغير توازناتها بسرعة وتحكمها المصالح لا العواطف.
المعادلة هنا ليست مجرد ضخ أموال في الاقتصاد الأمريكي بل هي ضمان لمستقبل المملكة في ظل عالم مضطرب، فالرياض تدرك أن واشنطن رغم كل التحولات لا تزال اللاعب الأقوى وأن الحفاظ على هذه العلاقة الإستراتيجية يمثل صمام أمان يضمن استمرار المملكة في موقع القوة ويفتح لها الأبواب لتعزيز نفوذها الإقليمي.
وفي النهاية، يمكن القول إن السعودية لا تقدم تنازلات مجانية بل تدير لعبة معقدة بذكاء ودهاء حيث تُستخدم الاستثمارات كأدوات نفوذ وتُترجم الشراكات إلى ضمانات لبقاء المملكة لاعباً أساسياً على المسرح الدولي، وطالما أن الداخل السعودي يدعم هذه الرؤية فإن القرارات ستستمر وفقاً لأولويات تفرضها المصالح لا العواطف.