روحانيات ربانية، سر العلاقة الوطيدة بين الشيخ عبد الباسط عبد الصمد والمنشاوي
صاحب التلاوات والمقامات النادرة، كان صوته يتردد في أسماعنا حتى بعد وفاته، ليُلقب بـ«الصوت الباكي» و«كروان دولة التلاوة»، وكذلك بـ«الصوت الأواب». وفي ذكرى ميلاده، نعود إلى علاقة الشيخ محمد صديق المنشاوي بالشيخ عبد الباسط عبد الصمد، تلك العلاقة التي تركت أثراً كبيراً في تاريخ فن التلاوة في مصر والعالم العربي.
بدأت هذه العلاقة الطيبة في محافظة الأقصر جنوب صعيد مصر، حيث شكل الشيخان مدرستين من أهم مدارس القراءة المصرية. فقد كانت "الطريقة المنشاوية" و"مدرسة عبد الباسط عبد الصمد" من أبرز المدارس التي ما زال يقلدها الكثيرون من القراء والتلاميذ حتى اليوم. وفي كتابه «ألحان من السماء»، يشير الكاتب محمود السعدني إلى أن الشيخ المنشاوي، الذي ذاع صيته في صعيد مصر، أصبح أحد أعلام التلاوة الذين تأثر بهم جيل كامل من القراء والمستمعين.
دليل حب الشيخ عبد الباسط للمنشاوي
استمرت العلاقة العميقة بين الشيخين الكبيرين، وراح كل منهما يسطع في سماء التلاوة، ليصبحا من أبرز وأشهر قراء مصر والعالم الإسلامي. فمعًا انطلقا إلى العالمية، وجابا العديد من البلدان تلبية لدعوات الرؤساء والحكام، ليُمتعوا العالم بأجمل تلاواتهم. وحتى بعد وفاة الشيخ المنشاوي، ظل حب عبد الباسط عبد الصمد له عميقًا، إذ قرأ القرآن في عزائه عام 1974، مؤكدًا على صدق العلاقة التي جمعتهما.
وكان الشيخ المنشاوي، بما يمتلكه من براعة في المقامات وتلاواته النادرة، يُعتبر بحق "صياد القلوب ومبكى العيون". كان صوته الخاشع الذي يلامس أعماق النفوس، ويجمع بين العذوبة والقوة، والحنان والحزن، والخشية والطمانينة، هو الصوت الذي تُضرب به الأمثال. كان يملك القدرة على أن يشد قلوب مستمعيه، وأن يوقظ فيهم مشاعر العبودية والإيمان، حتى قيل فيه: "إنه الصوت الأواب، الذي يقول لك: اجلس، فإن ها هنا قلبًا يتكلم بالقرآن".
نبذه عن حياته
يذكر أن الشيخ محمد صديق المنشاوي، قد أُطلق عليه هذا الاسم نسبةً إلى قريته "المنشاة"، التي تقع في محافظة سوهاج بصعيد مصر. كانت عائلته تحمل إرثًا عظيمًا من حفظة القرآن الكريم، حيث كان والده وأجداده من أبرز من حافظوا على كتاب الله عز وجل، مما جعل الشيخ المنشاوي ينشأ في بيئة مشبعة بالعلم والتدين.
منذ صغره، أظهر قدرة استثنائية على الحفظ، فبدأ تعلم القرآن الكريم على يد عمه، الذي كان من علماء القرية، إضافة إلى مجموعة من الشيوخ الذين أسهموا في تعليمه وتوجيهه.
لم يمض وقت طويل حتى أتم الشيخ المنشاوي حفظ القرآن الكريم في سن السبع سنوات، ليبدأ رحلته المباركة في التلاوة، والتي ستجعل منه أحد أعظم الأصوات في تاريخ التلاوة القرآنية في مصر والعالم الإسلامي.