الجمعة، 22 نوفمبر 2024

03:18 ص

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

الدكتور محمد كامل الباز يكتب: الوسية واقع مر

دكتور محمد كامل الباز

دكتور محمد كامل الباز

دكتور احمد كامل الباز

A A

مما لا شك فيه أن لكل وقت أذان ولكل عصر مفرداته ولغته الخاصة به، توقعت أن يكون هذا فى مجالات ومجالات، لكن اكتشفت أنه حتى طريقة الكلام اختلفت عما كانت عليه منذ عقود من الزمان.
 

الدراما والسينما من تلك الأشياء التى تغيرت وتغير إيقاعها ومفرداتها، أهدافها وأسباب نجاحها، كعادتي أحب التنقل بين قنوات التلفاز فإذ بتحفة درامية لا أعلم لماذا لا تعرض كثيراً ولماذا دائما تفرض علينا القنوات دراما البلطجة وخناقات الشوارع أو الكوميديا المبتذلة، فى حين تختفي بعض الأعمال المبدعة،
 

وأتكلم اليوم عن مسلسل الوسية مسلسل متكامل من جميع الأوجه، أداء فني، فعندما تجد عمل يجمع بين أحمد عبد العزيز وعبد الرحمان أبو زهرة والراحل حمد أحمد، بالإضافة لمحمود حميدة فثق عزيزى المشاهد أنك أمام عمل جيد يستحق المتابعة، 
 

تصوير حقيقى لحياة الوسية وكيف كان الفلاحون يعانون الأمرين من الظلم، تارة من الحكومة وتارة أخرى من الأعيان والأجانب، كانوا لقمة سائغة فى يد الجميع، مجتمع الوسية كان بمثل مجتمعا مصغرا للحياة بما فيها من زيف وظلم وكيل بمكيالين، نفاق وتملق لأصحاب النفوذ،  سرقة متبادلة سواء من المسئول للعمال والعكس أيضا، صاحب الوسية يحور على أرزاق الفلاحين ويبخسهم حقهم، والفلاحون يسرقونه ويرون أن هذا هو صميم حقهم.
 

مجتمع فاسد وجد خليل حسن خليل (أحمد عبد العزيز) نفسه وحيداً به يقاوم كل شىء ويسبح ضد تيار جارف، وجد عم سالم (عبد الرحمان أبو زهرة) الرجل الذي ينام بعد العشاء كي لا تفوته صلاة الفجر ومع ذلك يستحل كل أموال الخواجة بداعي ظلمه، مع أنه ينافقه بأحلى العبارات والكلمات، وجده يعرف كل شىء ولكنه لا يبدي أى شىء، من أكثر المشاهد عبقرية عندما خرج خليل ليلاً فى الوسية ووجد الباش كاتب الذي يمجد الخواجة صاحب الوسية بالنهار ويقبل يده  يسرقه بالليل ويحمل بالاشولة خارج الوسية، انزعج خليل وذهب لعم سالم الذي قال له جملة كانت مبدأ لكثير من الناس.
 

(ليل الوسية خطير ويخوف وأنا قولتلك نام بدرى عشان تلحق الفجر ...انت مش عاجبني يا خليل بقالك كام يوم مبتصليش الفجر) نظر له العبقرى أحمد بن العزيز نظرة كانت كفيلة بأي رد وكافية عن أي كلام، وجد خليل أيضاً خطاب رجل الأمن الغفير (حمدى أحمد) يشاهد سرقة الغلة وهو المنوط بالحفاظ عليها وحمايتها من اللصوص يسكت، بل يتقاسم معهم، وعندما جاء خليل يستغيث به أبعده عن المكان قائلا له (إن بعض الظن إثم) !! 


يحمي الخواجة من أي لصوص إلا اللصوص “اللي تبعه” الذين سوف يتقاسم معهم سرقتهم، أما خلاف هذا فهو يؤدي واجبه على أكمل وجه.
 

وجدنا فى مجتمع الوسية الباش كاتب الحرامي الذي يصّر الخواجة على إبقائه معه رغم غبائه وقلة ضميره، لكن عندما شاهد خليل طريقة كتابة الدفاتر وعرضها للخواجة من قبل الباش كاتب، عرف سبب الإبقاء عليه وهو سرقة الفلاحين لحساب الخواجة وظلمهم لمصلحته.


عرف خليل أيضاً أن الخواجة نفسه هو أكبر اللصوص ويستحل أموال الفقراء ويبخسهم حقهم 
وبعد أن خرج خليل من مجتمع الوسية فى الأرض اكتشف وسية أكبر فى الخارج سببت له الكثير من المعوقات، حتى سافر ليكمل دراسته وينفد بجلده.


مسلسل تكلف واحد فى الألف من تكلفة مسلسلات اليوم لم نشاهد فيه البطل الشبيح الذي يدخل الحارة ليضرب كل رجالها ثم يتدور على الحارة المجاورة ليكمل عليهم، لم نر عنفا أو  خلقا مذموم أو تعدي على حرمات الله، 


لم نر فيه محاولة خبيثة للتأثير على عقول أولادنا أو نشر الموبقات فى المجتمع 
لم نر زوجة تخون زوجها كما هو المعتاد فى معظم أعمالنا حالياً، لم نسمع ألفاظا خادشة للحياء أو نرى ولدا يسب ويعق أباه وأمه.

لا يتحجج أحد بالقول إن ذلك واقع الحياة اليوم فمن شاهد الوسية ولم ير أى ريف من قبل كفاه، فالمسلسل تجسيد عبقري للحياة اليومية للفلاح سواء من اللهجة أو الحركة أو أسلوب الحياة عامة.
عمل صادق يصلح لعقود طويلة وهذا فى الحقيقة هو الفرق بين أعمال تكلفت الملايين وكما يقال نجحت نجاحا أسطوريا ولكن صدقني لن تستطيع مشاهدتها إلا مرة واحدة وأخرى تكلفت الملاليم ولكنها عاشت فى ذاكرة الملايين ولن تملّ منها أبدا... فكما نجح البرنس والعمدة والعتاولة وكلبش نجح أيضاً الوسية والمال والبنون ورافت الهجان ولن أعيش في جلباب أبي.... 
لكن نجاح هذه الأعمال  يختلف كل الاختلاف عن نجاح أعمال اليوم التي أؤكد أنها مسلسلات الوهلة الأولى حتى لو نجحت نجاحا كبيرا فهى لا تقارن بأعمال عشنا عليها مع آبائنا ومازلنا نشاهدها مع أولادنا.

search