علاء عصام يكتب: بين سلطة 30 يونيو والحكومة.. تناقض في الأهداف والانحياز الاجتماعي
النائب علاء عصام
علاء عصام
لا يخفى على أحد حالة الصراع الطبقي في المجتمع المصري، والذي ظهر بشكل جليّ وواضح بين دخول أصحاب أدوات الإنتاج الريعي من رجال أعمال ودخول من يعملون بأجر.
وبخفة دم مصرية معتادة، وصف مشاهير اليوتيوبرز، مناطق ومطاعم وسيارات ومواصلات وخدمات الذين يعانون من الطبقية الظالمة ويمثلون الطبقة المتوسطة والفقراء من بسطاء الشعب بالمقيمين في مصر، بينما طبقة لـ 2% من أصحاب الثروة والمحتكرين والمستوردين وصفوهم بالمقيمين في "Egypt”.
وطبعا هذا الوصف لا يعني فقط مقدرة هذه الطبقة على التحدث بلغات أجنبية، أو تعليم أبنائهم في مدارس وجامعات تتجاوز مصاريفها مليون جنيه في السنة الواحدة، أو تناولهم الطعام المستورد بشكل مبالغ فيه، أو إقامتهم فيما يعرف بكومباوندات الأثرياء بل الأمر أعقد من ذلك بكثير.
ويشعر المصريين البسطاء أن حجم دخلهم الضعيف للغاية، مقارنة بدخول أصحاب أدوات الإنتاج، أمر يبعث على الغضب والقلق والإحباط، على الرغم من أن مشروعات الأثرياء لا تحقق ربح إلا بعرق وجهد بل دماء العاملين بأجر، إلى جانب تدهور الخدمات الصحية والتعليمية والمرافق البسيطة لأغلب المصريين.
وخلال عشر سنوات أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسي ورجاله من أبناء سلطة 30 يونيو، العديد من المشروعات العملاقة، وأغلبها يستهدف تحسين حياة المصريين، ومنها شبكة كهرباء أنقذتنا من انقطاع مستمر في الكهرباء، وقاعدة مهمة لدعم الاقتصاد، إلى جانب بناء موانئ عملاقة لتشجيع حركة التجارة والتصدير، وبناء طرق داخلية على أعلى مستوي، إلي جانب مشروعات نقل كهربائية حديثة وسريعة، تساهم في نقل البضائع في الداخل ولها دور مهم في نقل المواطنين بشكل أمن وسريع.
ولم يقف الأمر عند ذلك بل قام الرئيس بتأسيس مدن عملاقة لصناعة الدواء، وأسس مصنع الغازات الطبية ومصانع تحويلية هامة، وأطلق برامج ومبادرات حياة كريمة و100 مليون صحة وقضى على فيرس سي وانجز بناء مدن حديثة تصل لحوالي 18 مدينة ساهمت في اتساع مساحة العمران بمصر من 7% إلى 14%.
وكل هذه المشروعات الهدف منها تسهيل حركة التجارة ونقل البضائع ودعم التصدير لتقليل فاتورة الاستيراد التي تلتهم ثروات المصريين وأموالهم.
وفي المقابل تعاني سلطة 30 يونيو من ضعف حجم الإنتاج المحلي، ولا تجد الدولة منتجات محلية، أو منتجات يدخل فيها نسبة مكون محلي كبيرة تتجاوز 60%، لكي يتم تصديرها عبر هذه الموانئ، وأصبحنا نخشي تأسيس أسطول تجاري بحري مصري لأننا لن نجد البضائع التي نصدرها.
وعلى الرغم من إطلاق الرئيس السيسي، مشروع استصلاح مليون ونصف فدان زراعي، لزيادة الرقعة الزراعية من منتجات تساهم في توفير احتياجات المصريين الرئيسية، ويعتمد عليها في توفير العلف لتقليل فاتورة استيراده وتوفير القطن لصناعة الغزل وتقليل فاتورة استيراد الملابس، إلا أننا في المقابل نجد أن مساحة زراعة القطن في مصر لا تزيد عن 250 ألف فدان بعدما كانت مليون فدان منذ 60 عام.
وطبعا كلنا يشهد على ارتفاع أسعار الدواجن واللحوم بسبب ارتفاع أسعار العلف ،وقلة المراعي الطبيعية، وأصبحنا نستورد أغلبية منتجاتنا من الخارج، وظل المحتكرين الذين يتحكمون في العرض والطلب ، يستفيدون من انسحاق الحكومة وصناع القوانين أمام مصالحهم، بل والأخطر أن أصحاب أدوات الإنتاج والثروات والمحتكرين أصبحوا نجوم التشريع والرقابة في مجلس النواب، وبنظرة بسيطة علي رؤساء لجان "الصناعة والزراعة والإسكان والمشروعات المتوسطة والصغيرة والسياحة والتعليم" سنجدهم في - وقت ما - من أصحاب أدوات الإنتاج والاحتكارات، وتلاقت معهم أهداف البيروقراطية المصرية الفاسدة، التي تربت وترعرعت في عصر الانفتاح، إلى أن تربعت وسيطرت وأجهزت علي مستقبل البسطاء حتى عام 2011.
وبعد رؤيتنا لهذا التناقض الواضح في الأهداف النبيلة لسلطة 30 يونيو وانحيازها الاجتماعي وبين الحكومة المنسحقة أمام الاحتكارات وكذلك المحتكرين أنفسهم، لقد آن لنا أن نسأل السؤال التقليدي أليس الرئيس هو نفسه من أتي بهذه الحكومة؟.
وكيف بهذا الرئيس النبيل الذي قضي علي فيروس سي، ودعم شباب حياة كريمة لمد خدمات الكهرباء والغاز، وأقام مشروعات سكنية بديلة للعشوائيات بالمجان، ووقف ضد وزير البيع هشام توفيق، وأتي بوزير قطاع أعمال بدلا منه يرفض بيع قطاع الأعمال العام والقطاع العام، هو ذاته من أتي بهذه الحكومة؟.
وأليس هذه الحكومة ذاتها من نفذت هذه المشروعات العملاقة؟
كلها في ظني أسئلة لا تنفي التناقض ولا تجعلني أغير رؤيتي عن أصحاب المصالح والمجموعة الاقتصادية بالحكومة، لا سيما وأن الرئيس بشكل واضح لم يكن يعتقد أنه عندما إختار هذه الحكومة من داخل دولاب عمل الدولة، وآخرين ينتمون لغرفة الصناعة والتجارة ورجال الأعمال، انحيازتهم الطبقية معادية للفقراء
ولم يكن يتخيل أن ما هو معروف عنهم من تقارير ممتازة وما يعرف بـ cv عالي الجودة «كذبة كبيرة» وأنهم ينحازون لطبقة الفساد والاحتكارات التي تربوا في أحضانهم سنوات طويلة.
وفي ظني أن الحكومة تنفذ جزء من مشروعات الرئيس العملاقة بكفاءة، لكي تتمكن من تنفيذ سياسات المحتكرين والمكاتب الأجنبية علي الجانب الأخر بكفاءة أيضا، ولهذا وصلنا لهذه النتيجة وأصبحنا غير قادرين علي مواجهة الأزمة الاقتصادية لأننا غرقنا في الاستيراد والديون.
وفي ظني أن الشعب المصري ما زال لديه رصيد كبير لقائد 30 يونيو، ولكن شعبنا يبحث عن أمل وقرارات جريئة تفك هذا اللغز وتقضي على هذا التناقض حتى يجدد بطاريات الصبر والتحمل
وأخيرا أتمنى أن يختار الرئيس، رئيس حكومة سياسي ويعبر عن انحياز اجتماعي وينتمي لطبقة البسطاء ويكون جسور وجريء في مواجهة الاحتكارات والفساد والمؤسسات الدولية الاقتصادية، ويتبنى سياسات إنتاجية وعادلة إلى جانب إطلاق عام الشفافية والحريات وإجراء انتخابات المحليات الشعبية وتفعيل دور الإعلام الرقابي وبقوة وفتح المجال أمام حرية الاختيار في الانتخابات ومقاومة المال السياسي.
وكلي أمل أن تنتصر سلطة 30 يونيو علي الاحتكارات والفساد، ولكنه أصبح آخر أمل وربنا يستر.
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في سوق العمل؟
-
نعم
-
لا
أكثر الكلمات انتشاراً