الخميس، 21 نوفمبر 2024

11:03 م

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

الدكتور وليد عتلم يكتب .. عبثية إيرانية وعقلانية مصرية

الدكتور وليد عتلم

الدكتور وليد عتلم

وليد عتلم

A A

"العبثية" هو مصطلح فلسفي الأصل، لكنه لا يقتصر على الفلسفة، وكعادة العلوم الإنسانية العبثية كمصطلح يخضع لأكثر من تعريف، لكنه في معناه العام يشير إلى السلوك والتصرفات غير العقلانية، والعبثية تتعلق في جانب كبير منها بالسلوك المتناقض، المبهم، الغامض وغير المفهوم فلا تستطيع فهم الأحداث أو تفسيرها. لذلك؛ إذا ما أخذنا مفهوم "العبثية" إلى ساحة السياسة، العبثية السياسية تشير إلى سلوك ومواقف وتوجهات سياسية غير منتظمة؛ متناقضة، تسعى للفوضى، لكنها فوضى مخططة للوصول إلى الأهداف التي يسعى إليها من أوجد هذه العبثية.

إيران، أو الجمهورية الإيرانية الإسلامية هي تجسيد حي لحالة العبثية السياسية في منطقة وإقليم الشرق الأوسط، والمتتبع للسياسة الخارجية الإيرانية، وتوجهاتها، وسلوكها يدرك دون عناء مدى العبث والفوضى التى تعمل إيران على خلقها في المنطقة، لا لشيء إلا لتحقيق هدف واحد، وهو تحقيق المصلحة العليا الإيرانية وأحلام وطموح التوسع الإيديولوجي الإيراني ليس فقط كقوة إقليمية لكن كقطب عالمي فاعل ومؤثر.

لذلك؛ الهجوم الإيراني المزعوم على إسرائيل ما هو إلا نتاج حالة العبثية السياسية التي تحاول إيران فرضها على المنطقة، وهو هجوم أراه فشل عسكري ذريع، هو هجوم دعائي بإخراج سينمائي أمريكي في المقام الأول، أفاد إسرائيل وأعاد الدعم الدولي المفقود لكيان الإحتلال.

نتنياهو كان شبه منبوذ دوليا، ويتلقى كثيراً من الانتقادات من عديد من قيادات وزعماء العلماء خاصة الحلفاء الغربيين، لكنه بعد الضربة الإيرانية جلس في مكتبه يتلقى الاتصالات من زعماء العالم بدءاً بالرئيس الأميركي جو بايدن الذي كثيراً ما انتقده في الشهور القليلة الماضية، وتبعه في ذلك العديد من زعماء ورؤساء الدول والحكومات سواء بتقديم الدعم معنويا وسياسيا، أو من خلال المساعدة الفعلية عسكريا كما فعلت كلا من فرنسا والمملكة المتحدة، وعلى المستوى الداخلي قدمت إيران لنتنياهو هدية على طبق من ذهب، ومنحت لحكومته قبلة الحياة، في ظل ضغوط متصاعدة في الداخل الإسرائيلي، الثقة بالحكومة كانت منعدمة... والمعارضة تطالب بانتخابات مبكرة.

السؤال الذي يجب أن نسأله جميعا، وإيران مطالبة بالرد، ما هو التهديد الفعلي الذي تعرضت له إيران، أو الأراضي الإيرانية، وحتى المصالح الإيرانية لكي تقوم بهذا الهجوم العبثي؟!!!

ودليل هذه العبثية؛ هو الإعلان المسبق عن هذا الهجوم؛ بل الأكثر من ذلك هو إعلان بعض الدوائر الإسرائيلية عن إبلاغ إيران إسرائيل بالهجوم مسبقا !!! واستعداد تل أبيب لصد الهجوم.

نظام الملالي في إيران لا يختلف بأي حال من الأحوال عن اليمين في إسرائيل، يبحث عن مصالحه أولا وأخيرا، وإيران مخلب قط ليس فقط على مستوى الشرق الأوسط، لكن إفريقيا أيضا، لديها مخطط أيديولوجي تعمل عليه. ولا يهمها القضية الفلسطينية من قريب أو بعيد (ويختلف معي من يختلف)

والدليل الأبرز على ذلك، ماذا قدمت إيران للقضية الفلسطينية  على مدار 75 عاما؟!!!!! غير التصريحات الجوفاء...

وعلى مستوى الحرب في غزة الأن؛ ورغم ثقتي التامة أن هذا الهجوم لا علاقة له من قريب أو بعيد بالأوضاع في غزة، أو تخفيف الضغوط عن غزة، حتى رغم إعلان الحكومة الإسرائيلية تأجيل الهجوم المزعوم على رفح الفلسطينية، ورغم محاولات بعض المتشنجين عاطفيا، من هواة الرومانسية السياسية تطويع الهجوم الإيراني وربطه بالحرب على غزة، فعلى العكس تماما، الهجوم الإيراني أضر أكثر مما أفاد، وإيران عبر هذا الهجوم الفاشل لم تفعل غير صبَّ المزيد من الزَّيتَ على النَّار المشتعلة أساسا، ويَزِيدُ الأَمْرَ اشْتِعَال اتساع رقعة الصراع، خاصة رغبة وسعي وكلاء الجمهورية الإسلامية في اثبات الولاء من خلال المزيد من الهجمات العبثية في العراق، وسوريا، والأخطر البحر الأحمر. 

وهذا الهجوم يعطى لنتنياهو الذريعة لإفشال مفاوضات ومسارات الهدنة والتهدئة في غزة رغم الجهود المصرية الحثيثة لإقرار الهدنة ووقف إطلاق النار، ورفع المعاناة المستمرة لأكثر من 6 أشهر عن قطاع غزة.

على الجانب الآخر والضفة الأخرى، تواجه العبثية الإيرانية، عقلانية مصرية، عقلانية التوجهات والسياسات المصرية لا تزال هي ركيزة الاستقرار في المنطقة المضطربة أيما اضطراب، شاء من شاء وكره من كره. ولولا الدور المصري و ثوابته القائمة على استهداف حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية ككل، وليس غزة فقط، يضمن ويحقق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، من خلال إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

ومنذ تولى الرئيس السيسي مقاليد الحكم في 2014 أقرت مصر برنامج عمل خارجي واضح أكدت فيه أهمية النهج التعاوني في العلاقات الدولية، إذ ارتكزت السياسة الخارجية المصرية على مجموعة من الركائز تمثلت في: عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، ورفض أي تدخل خارجي في شئونها الداخلية، وحسن الجوار، وتعزيز العلاقات مع دول الخليج العربي، وإعادة الفاعلية للدور والوجود المصري في أفريقيا، ودعم العلاقات مع الدول العربية والإسلامية، وتوازن العلاقات مع القوى العظمى، وتأكيد الدور المصري المؤثر في الحالة الراهنة في الشرق الأوسط، خاصة فيما يتعلق بالملف الفلسطيني الإسرائيلي والصراع الممتد. هنا مصر تقوم بدور اللاعب العقلاني الفاعل إقليميا الذي يعمل على صنع السلام، والحفاظ عليه وترسيخه، مستندة في ذلك على دور ريادي تاريخي، وقيادة استثنائية، ولولا هذه الثوابت المصرية، وهذا الدور القائم على العقلانية والرشادة لكانت منطقة الشرق الأوسط انزلقت إلى حرب شاملة، واضطرابات مدمرة وممتدة تضر بالجميع.

search