الخميس، 11 يوليو 2024

02:39 م

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

ERGdevelopments

د. وليد عتلم يكتب لـ «الجمهور»: عنصرية صيفية

د. وليد عتلم

د. وليد عتلم

ما أن يهل علينا الصيف، حتى تهب علينا موجة من العنصرية تضج بها مواقع التفاصل والتباعد الاجتماعي.

وهي إحدى السلبيات الدخيلة على مجتمعنا من واقع "السوشيال ميديا"؛ هذه العنصرية مصدرها بعض من قاطني المدن الساحلية المصرية، وبعيدا عن الساحل طيبه وشريره، هذه العنصرية مفادها الضجر والتأفف من المصطافين ورواد رحلات اليوم الواحد لتلك الشواطئ والتنمر عليهم.

وقبل أن تشرع عزيزي المتنمر "المتعنصر" وتكشر عن أنيابك "الفيسبوكية"، و"تسنّ أسنانك" الافتراضية، فأنا أتفق معك شكلا وموضوعا في رفض كافة المظاهر السلبية التي يقوم بها البعض، ورفض كافة أشكال الانحراف والخروج عن المألوف في المظهر والسلوك العام بما يؤذي الأذن والعين.

لكن؛ ما الداعي للتنمر وإيذاء نفوس البسطاء في رحلة يوم واحد ينتظرونها من العام للعام، لماذا كل هذا الضجر، وهل أصبحت محافظات مصر جزرا ودولا منعزلة، وهل نحتاج لتأشيرة دخول شواطئ هي في الأصل هبة ومنحة حابانا بها الله.

قديما لكن ليس ببعيد، وقبل أن يظهر الساحل الشمالي وطبقته الاجتماعية؛ كانت المدن الساحلية في الإسكندرية، بورسعيد، السويس، والإسماعيلية، ورأس البر، وجمصة وبلطيم تتأهب لهذا الموسم الصيفي وتتزين لتظهر في أبهى صورها استعدادا لاستقبال الوافدين والزائرين، كان موسم الخير والرواج التجاري لتلك المدن، لا موسم التأفف والعنصرية والتنمر.

نشتري مشبك وحلويات من رأس البر، الهريسة والتين والعطارة من الإسكندرية ومطروح، والمانجو من الإسماعيلية، والملابس المستوردة من الحرة بورسعيد.

ثم الاستخدام البغيض المسيء لكلمة "فلاح" دلالة على التقليل والاختلاف والدونية، وهو استخدام في غير محله ينم عن جهل واضح بالمعاني الجميلة والدلالات اللغوية الأصيلة للكلمة؛ فالفلاح في القواميس والمعاجم اللغوية هو مصدر فَلَحَ، والفَلاَحُ بمعنى الفَوْزُ، وحَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ أي هَلُمَّ إِلَى طَرِيقِ النَّجَاِة وَالْفَوْزِ بِالنَّعِيمِ وَالْخَيْرِ.

والفَلاَّحُ الجمع فلاَّحون هو محترفُ الفِلاحة، ه المزارع، محترف الزِّراعة، وهو ساكن الرّيف؛ قَرَويّ، والفَلاَّحُ تأتي أيضا بمعنى مَلاَّحُ السفينة.

فما العيب فيمن يحترف الزراعة !!!.

مصر منذ نشأتها الأولى قامت حضارتها على الزراعة، على سواعد الفلاحين والمزارعين، عرفت مصر الزراعة ما قبل التاريخ وطورتها، ثم نقلتها للعالم، فكان الفلاح المصري وأدواته الزراعية أول من وضعوا أساس التقويم الزراعي، فكانت مصر أول دولة نظمت فيها الزراعة تبعا للمواسم على أساس الدورة الزراعية.

أبو التاريخ "هردوت" في كتابه الثاني الخاص برحلته إلى مصر في الجزء الرابع عشر منه يقول ومنه أقتبس " كان من وراء الملوك والملكات في مصر القديمة، جنود مجهولون، ومن وراء تلك الهياكل والقصور والأهرام عمال المدن وزراع الحقول.

إنهم يجنون ثمار الأرض بجهد أقل مما يبذله غيرهم من الشعوب، ... لأنهم لا يضطرون إلى تحطيم أخاديد الأرض بالمحراث أو إلى عزقها أو القيام بعمل كالذي يضطر غيرهم من الناس إلى القيام به لكي يجنوا من ورائه محصول من الحَبّ؛ ذلك بأن النهر إذا فاض من نفسه وأروى حقولهم، ثم انحسر مأواه عنها بعد إروائها، زرع كل رجل أرضه وأطلق عليها خنازيره؛ فإذا ما دفنت هذه الخنازير الحَبّ في الأرض بأرجلها انتظر حتى يحين موعد الحصاد، ثم ... جمع المحصول".

وحديثاً وبلهجة أهلنا في الصعيد بَحر فلاحي مصر من الصعيد ليكونوا عماد المعمار والتعمير في مصر، وحتى الان كل عمال وسواعد المشروعات القومية في الإسكان، الصناعة، والزراعة هم من أبناء مصر بحري وقبلي أبناء الأرض الطيبة.

ثم ومنذ متى كانت مصر تفرق بين أبنائها على هذا النحو وتصنفهم، في يونيو 2013 في الميادين في مواجهة الجماعة المحظورة لم نكن نفرق بين العامل والفلاح، الموظف والطالب والأفندي الكل في واحد، والكل في مواجهة التطرف والإرهاب.

وتخيل معي عزيزي المتنمر عزيزتي المتنمرة، لو أن مثلاً في 30 يونيو وتحت هذه المزاعم والأهواء العنصرية كانت الدعوة للتجمع أمام قصر الاتحادية قاصرة على سكان مصر الجديدة والكوربة، وأن الاحتشاد في ميدان التحرير لقاطني القاهرة والجيزة فقط !!! تخيلت ؟؟، وفي صفوف الجيش والشرطة، الكل دفع عنا من دمائه الزكية ضريبة الأمن والأمان في مواجهة الإرهاب أبناء وطنا واحدا، والهوية مصري الوطن والموطن.

الان وفي خضم تلك الضغوط الاقتصادية الصعبة علينا وعلى العالم جميعاً هناك فئة قد تضطرها الظروف للتراجع من كوكب الساحل إلى شواطئ الغلابة فلا تنشرون صورة سلبية عن تلك الشواطئ وروادها، الوطن واحد بالجميع ويتسع للجميع. لكن مواجهة هذه الظاهرة أصبح ضرورة واجبة.