هبة سامي تكتب.. أطفال غزة خلف قضبان الشيزوفرينيا
هبة سامي
هبة سامي
الانفصام السياسي (شيزوفرينيا حكام الدول الكبرى) مصطلح حديث يشرح مرضا قد انتشر في العقدين الأخيرين، ظهر في تصريحات حكام تلك الدول التي انفصلت عما يحدث في الواقع الفعلي وبدأت ممارسة أفعالها المتناقضة في شكل أشبه بالهلاوس الوهمية، التي لا تتناسب مع حقيقة الأحداث المأساوية التي تدور في فلسطين منذ أكثر من نصف قرن تقريبا.
يتبع هذا الكثير من تأويلات الكيل بمكيالين (ازدواجية المعايير) التي عانى منها الفئات الأكثر ضعفا في العديد من دول العالم وفلسطين أيضا، وهي نفس الدول التي تنصّب نفسها على حراسة العالم وحمل ألوية السلام وهي شرارة إشعال الحروب، محاولة تلميع ذاتها بعد تعرضها للصدأ عقب ممارسات متكررة لتصريحات منفصمة لا تعرف مبدأ الحياد أمام القانون والعدالة بسلوكيات متحيزة ظالمة، لا تستطيع أن تطبق المعايير ذاتها على الجميع دون تمييز.
نتج عن هذه الأيديولوجية المظلمة الكثير من المعاناة والظلام في قطاع غزة عقب هذه الحرب الأخيرة، حيث قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة، إن أكثر من 17 ألف طفل فلسطيني أصبحوا بلا ذويهم وعائلاتهم في هذا الصراع وأنهم جميعا بحاجة ماسة إلى دعم نفسي لا نعرف متى تكون بدايته، وهل سيجديهم الأمر نفعا بعد رؤيتهم لكل أهوال الحرب هذه؟
وقد ظهرت عليهم الكثير من اضطرابات القلق غير المتوقف والفزع المتكرر وفقدان الشهية وحالات الأرق المصاحبة لانعدام القدرة على النوم في أحيان كثيرة، فضلا عن مرورهم بمستويات عالية من نوبات الهياج العاطفي.
المشاهد يصفها البعض بالقاسية، بينما هي الأكثر ترويعا لقلوبهم الصغيرة، في كل مرة كانوا يشاهدون أباً يجمع أشلاء أبنائه، أما تنتحب لفقدان أطفالها إثر القذائف الحارقة لأجسادهم، أخا يجمع بقايا أخيه أو أخته أو أمه قبل أن يرحل من شمال القطاع في مشهد يشيب له الشعر وتهرم له الأبدان، الذين ما عادوا يهلعون لفقدان الأماكن التي كانت تأويهم كالمدارس والمستشفيات والملاجئ بعد رؤيتهم للدمار حولهم في كل مكان وبعد فزعهم على فقدان أسرهم وهم يرون جيش الاحتلال يرتكب كل هذه الجرائم في حقهم دون جدار يحميهم (مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية) و الذي لم يفرق بين طفل وامرأة و شيخ و رضيع في حرب لا نستطيع وصفها سوى بإبادة جماعية.
لم يتوقف الأمر مع هؤلاء الأطفال عند هذا الحد، فسلسلة الاعتقالات التي يتعرضون لها كل يوم كفيلة بتحطيمهم ما تبقى من أعمارهم فمن يدري عن جرائم التعذيب والقهر التي يتعرضون لها داخل سجون الاحتلال، والتي تجعلهم أكثر عرضة لخطر الأمراض النفسية والجسدية المزمنة.
يواجه أطفال غزة أيضا مخاطر تلوث المياه وتفشي الأوبئة التي تظهر عليهم في الإصابة بالجفاف والإسهال جراء شرب المياه المالحة أو غير النظيفة.
تستطيعون الآن رسم أفكار واضحة عما تفعله إسرائيل بمساعدة الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية من سياسات إجرامية في شمال قطاع غزة من حرب تجويع ممنهجة للقضاء عليهم، فضلا عن ممارسات أخرى لمنع وصول المساعدات الغذائية والمستلزمات الطبية، ومجزرة هي الأولى من نوعها حين استهدفت قوات الاحتلال مرتين في يومين متتاليتين الجائعين الذين يحاولون إيجاد فتات يسد حاجتهم للطعام في شارع رشيد غرب غزة والتي راح ضحيتها قرابة الألف مدني بين شهيد وجريح، وكأنه مشهد هزلي اعتادت الولايات المتحدة وأوروبا الصمت عليه أو الاكتفاء ببعض كلمات الشجب والإدانة دون الاكتراث بتصريحات رئيس وزراء حكومة تسيير الأعمال الفلسطيني.
ولا نستطيع أن نجزم بإنسانية الكثير في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وكأن الداعمون لهذه الحرب تحولت عنهم بشريتهم التي تحمل الإنسانية بالفطرة إلى كائن آخر أقرب إلى صفات الوحوش والحيوانات المفترسة منها إلى البشر، فما استطاعت دول أو منظمات أو محاكم أو مؤسسات وقف هذه الإبادة وتجريم هذه الحرب، فهل تملك الولايات المتحدة الشجاعة الكافية للاعتراف بأنها كانت سببا رئيسيا مع الكيان الصهيوني في إصابة هؤلاء الأطفال الضعفاء بالأمراض النفسية والجسدية، منذ بدء تدمير القطاع وإبادة سكانه؟ هل يجرؤ رؤساؤها على الاعتراف بأنهم سبب في إشعال فتيل الحرب والدمار في شتى بقاع الأرض التي تتعارض مع استمرار مصالحهم؟ وهل تستطيع دول الأعضاء في مجلس الأمن تجريم وإيقاف هذه الانتهاكات عن أطفال فلسطين المعتقلين وغيرهم؟ هل يستطيعون تجريم ومحاسبة كل من يقف خلف الحروب وإثارة القلاقل والفتن والقطاع كل يوم في حاجة ملحة لنظام عادل يستطيع إرساء قواعد الأمن لهؤلاء الأطفال.
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في سوق العمل؟
-
نعم
-
لا
أكثر الكلمات انتشاراً