القضية الفلسطينية عند المصريين
شهاب عمران
شهاب عمران
تربينا منذ الطفولة على حب فلسطين دون أن نعرف أي شيء عن ملامحها الجغرافية، ودون أن نزورها حتى ولو مرة واحدة، ودون أن نكون أحد العائلات التي أجُبرت على ترك منازلها وننضم لصفوف اللاجئين.. تربينا على حب القدس، وأن القدس عربية وأن إسرائيل هي العدو الأول، هكذا كانت تربيتنا الريفية مثلي مثل كل أطفال القرية.
قبل سنوات نصحني أحد الأصدقاء بمتابعة سلسلة أعمال فنية تاريخية وهي تعاون بين الكاتب الكبير وليد سيف والمخرج حاتم علي رحمه الله، سمعتٌ النصيحة وبدأت بمتابعة هذه الأعمال وكان على رأس القائمة عمل فني رفيع المستوى، أستطاع أن يوثق أحداث النكبة الفلسطينية دون أي تجميل للحقيقة المؤلمة، العمل كان يحمل اسم «التغريبة الفلسطينية»، أتذكر مشهد العم أبو أحمد حينما خاطب زوجته، قائلا: «توخذيش كلّ الأغراض يا أم أحمد خذي الشغلات المهمة».
يلاّ يابا يا حبيبي امشو قدامي
كلها يومين وبنرجع.
هذا المشهد أبكاني وجعلني أعيش ليلة من أحزن أيام حياتي، لم يكن يدري أبو أحمد أن هذه التغريبة الفلسطينية ستطول إلى سنوات في مخيمات اللاجئين، وأن الخيمة التي نصبها لأسرته من برد الشتاء القارس ستصبح بيت دائم في منفى بعيد عن أرضه ووطنه.
لم يكن يدري أن العدو أراد أن يتمّلك حق ليس من حقه، وأنه ضيف ثقيل وغير مرغوب في زيارته، لم يكن يدري أن هذه التغريبة ليست كما كان يتوقع يومان فقط ويعود لبيته وأرضه وشجر الزيتون مصدر رزقه الوحيد، وكذلك لم يكن يتخيل في تلك الساعةِ أن هذا سيكون آخر عَهده بالعيش في هذا البيت، وأن العودة إليه أو حتى مشاهَدته ستكونُ حُلماً، جزءً من الحُلمِ الفلسطيني الطويل، لم يكن يدري أنه سيموت بعيدًا عن القرية التي شهدت مولده وعن وطنه الذي أحب ولطالما حلم بالعودة إليه.. دمعةٌ على فلسطين وعلى عم الشيخ أبو أحمد.
القضية الفلسطينية عند المصريين عامة لا تختلف كثيرًا عن الفلسطينيين، في مصر حزن ومشاركة للآلام من أول لحظة، في مصر صديق قاطع صديقه لمجرد أنه ابتاع منتجاً من منتجات المقاطعة، في مصر قلوب تعتصر من الحزن والبكاء على أشقائهم في فلسطين، في مصر رجلٌ فقير يُلقي حبات البرتقال بكرم لا يضاهيه كرم ناحية العربات التي تتحرك بالمساعدات لأهلنا في فلسطين وهو في أشد الاحتياج، في مصر عدم الدعم لإخواننا ولو بالمقاطعة يُفسد كل الود وكل ما بيننا، من أراد أن يعرف موقف مصر وشعبها فلينظر فقط لمشهد الرجل الصعيدي الشهم البسيط بائع البرتقال وهو يعرف موقفنا من القضية.
أخبار ذات صلة
هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في سوق العمل؟
-
نعم
-
لا
أكثر الكلمات انتشاراً