دكتور حمادة شعبان يكتب.. «الفيلسوف» و«عالم المصريات» وعودة الوعي الثقافي
دكتور حمادة شعبان
الدكتور حمادة شعبان يكتب
بعد أن انتهى معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الخامسة والخمسين، التي كان شعارها "نصنع المعرفة ... نصون الكلمة". وقد أحسن القائمون على تنظيم هذه الدورة صنعًا في اختيار عالم المصريات المرحوم الدكتور "ٍسليم حسن" شخصية للمعرض في هذا العام. فقد كان رحمه الله عالمًا جليلًا، ومترجمًا أمينًا، وآثاريًا بالتقدير جدير، ترك اكتشافات آثارية عظيمة وإنتاجًا علميًا رصينًا، من أشهره موسوعة مصر القديمة ومعجم اللغة المصرية القديمة...، وكان بحقٍ عالمًا موسوعيًا ورائدًا في تخصصه، حريصًا على نشر الوعي بالآثار المصرية القديمة التي برهنت وما زالت تبرهن على عظمة قدماء المصريين وعلى مكانة مصر حاضنة الثقافات وريثة الحضارات، والتي أثبتت عبر تاريخها أن الحضارات تتكامل فيما بينها ولا تتصارع.
كما أحسن القائمون على جناح الأزهر الشريف صنعًا في اختيار المرحوم الدكتور "محمود حمدي زقزوق" شخصية الجناح الأزهري. وهو العالم المجدد والوزير الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء، والمشرف على الموسوعة الإسلامية العامة، وصاحب الفكر المستنير الذي اهتم بالحوار بين أتباع الأديان، وترسيخ القيم الإنسانية والأخلاقية، وتجديد الفكر الديني، وإطلاق الحرية للعقل الإنساني الذي كرّم الله به الإنسان وميّزه عن غيره من سائر المخلوقات، فكان رحمه الله يرى أن هذا العقل هو جوهر الإنسان، يميز به الخير من الشر والنافع من الضار ويهتدي به إلى خالق الكون، ويراه أثرًا من آثار النفخة الروحية الإلهية التي بثها الله فيه، والتي من أجلها استحق التكريم الإلهي والتفضيل على غيره من الكائنات، قال تعالى "فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ".
فالمعرض هذا العام قد حفل بشخصيتين موسوعيتين عظيمتين لهما ثقلهما الأدبي والشعبي، سُرِدت فيه سيرتهما، نُشرت فيه أعمالهما، ونوقشت أطروحاتهما، وانعقدت حولهما الندوات والمؤتمرات، وهذا أمر في غاية الأهمية، يُعطي للمثقفين والعلماء جزءا من حقهم الجماهيري التي اقتضت ظروف العصر الذي نعيش فيه أن يذهب منه قسم غير قليل لأصحاب الحسابات ومشاهير مواقع التواصل الاجتماعي.
وما أريدُ أن أؤكد عليه في هذا الصدد بل ما أتمناه هو ألا تكون هذه المناسبة مناسبة عابرة وموسمية، تمر مرور الكرام على المسئولين عن الثقافة وعلى شباب المثقفين، وتنتهي بحماسها وشغفها، ونقنع بأننا عرفنا هذا العام عالمين والعام القادم سنعرف اثنين آخرين.
إنما أتمنى أن تكون سيرة هذين العالمين والعلمين "زقزوق" و"حسن"، ملهمة لجيلٍ من شباب المثقفين وطلاب العلم المجدين الطموحين، ومحفزة لهم على المضي في قراءاتهم وإبداعاتهم ومشاريعهم البحثية، متخطين كل الصعاب ومقتدين بهذين العالمين الجليلين، سائرين على دربهما في الجدِ والاجتهاد، مستفيدين من رحلتهما الحياتية التي لم تكن مفروشة بالورود، وأن يسألوا أنفسهم دائمًا لماذا لا نكون مثل "سليم حسن" و"محمود حمدي زقزوق" ونحن مصريون مثلهم نحمل ذات الجينات التي يحملونها؟ لماذا لا نجتهد مثل "سليم حسن" ونجدد مثل "زقزوق" ونحن لدينا من أدوات العصر ما يساعدنا على ذلك؟
كما أتمنى من القائمين على أمر الثقافة والتعليم عدم الاكتفاء بمعرض الكتاب السنوي، بل تدشين مشروع ثقافي على مدار العام يشارك في إعداده تربويون وعلماء اجتماع وعلماء دين وإعلاميون... وغيرهم، ويوظّف ــ هذا المشروع ــ سير العلماء الأجلاء المجددين في كل المجالات بطريقة تُعيد إليهم مكانتهم، باعتبارهم مُثلا عليا ينبغي الاقتداء بها، وتحرك نفوس الشباب إلى السير في طريق العلم، وتقوي ثقتهم بأنفسهم، وتفجر مواهبهم، وتستنهض همهم، وتشحذ عزائمهم. صفوة القول، نريد مشروعًا ثقافيًا لا يكتفي بالسرد والعرض، بل يغرس في قلوب الشباب وعقولهم بذورَ الوعي الثقافي التي ينبغي أن نتعهدها بالعناية والرعاية على مدار الساعة حتى تؤتي أكلها في يوم من الأيام، ويصبح لدينا الكثير مثل "زقزوق" و"سليم" رحمهما الله وأسكنهما فسيح جناته.
دكتور حمادة شعبان -مشرف وحدة رصد اللغة التركية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف.
الجمهور، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة المصرية، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار، الاقتصاد، حوادث وقضايا، تقارير وحوارات، فن، أخبار الرياضة، شئون دولية، منوعات، علوم وتكنولوجيا، خدمات مثل سعر الدولار، سعر الذهب، سعر الفضة، سعر اليورو، سعر العملات الأجنبية، سعر العملات المحلية.
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في سوق العمل؟
-
نعم
-
لا
أكثر الكلمات انتشاراً