الجمعة، 22 نوفمبر 2024

02:57 ص

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

الإطاحة برئيس «الاحتياطي الفيدرالي» هل يفعلها ترامب؟

الدكتور رائد سلامة

الدكتور رائد سلامة

الدكتور رائد سلامة يكتب

A A

منذ أيام، صرح دونالد ترامب للبرنامج التلفزيوني الأمريكي الشهير "الصباح مع ماريا" الذي تعرضه شبكة فوكس بيزينس، بأنه إن وصل إلى البيت الأبيض بانتخابات نهاية هذا العام، فلن يُعيد تعيين جيروم باول كرئيس للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، حيث قال عنه ترامب أنه سياسيٌ يسعى لخفض سعر الفائدة على الدولار بغرض المساعدة في أن يُعاد انتخاب “بعضهم”، كان ترامب بالطبع يقصد جو بايدن.
يدخل ترامب كعادته، إلى المناطق الشائكة ببساطة تثير الشفقة، إذ لم يسبق لأي رئيس أمريكي أن قام بإقصاء رئيس الاحتياطي الفيدرالي منذ صدور القانون المنظم لأعمال الاحتياطي الفيدرالي عام 1913 والذي لا يمنع ذلك بنصوص صريحة قاطعة، لكن قواعد العمل العُرفية فيما يتعلق بالفصل في الاختصاصات، كانت قد تأسست على حصانةٍ مبنية على استقلالٍ من نوع ما لرئيس الاحتياطي الفيدرالي تُؤمِن بقاءه في منصبه الرفيع دون مساسٍ ضمانًا لاستقرار أوضاع السوق والبنوك بعيدًا عن السياسة وألاعيبها. 

تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن جيروم باول الذي ينتمي سياسيًا للحزب الجمهوري (حزب دونالد ترامب) قد تقلد منصبه الرفيع لأول مرة بتزكية من ترامب ذاته في 2017 ليتم انتخابه في فبراير 2018 لرئاسة مجلس المحافظين بالاحتياطي الفيدرالي لفترة أربع سنوات انتهت في 2021، ثم أُعيد انتخابه في مايو 2022 لفترة جديدة تنتهى في 2025. يعنى هذا الأمر أن جيروم باول سيستمر في منصبه لسنة واحدة على الأقل أثناء فترة حكم الرئيس الأمريكي القادم الذي سيتم انتخابه بنهاية هذا العام، لتثور التساؤلات حول توقعات طبيعة العلاقة بين الرئاستين: الاحتياطي الفيدرالي والإدارة الأمريكية الجديدة خلال عامها الأول.
كانت مصادر بالاحتياطي الفيدرالي قد ألمَحت عن احتمالات لخفض سعر الفائدة خلال الأشهر المقبلة بعد ارتفاعاتها القياسية على مدار العامين الماضيين لتصل حاليًا إلى 5.5% سنويًا، كما أشارت بعض المصادر الأخرى إلى أن 2025 ستشهد خفضًا لأربع مرات ثم لثلاث مرات في السنة التي تليها، ليكون سعر الفائدة المتوقع بنهاية 2026 في حدودٍ تتراوح ما بين 2 إلى 2.25%. 

وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أمر بالغ الأهمية في مجال استخدام الاحتياطي الأمريكي لأدوات السياسة النقدية ويأتى سعر الفائدة على رأسها، لمكافحة التضخم. فمعدل التضخم العام كان قد بلغ منذ أيام نسبة تلامس 3%. بما يعنى أن هناك فارقًا موجبًا بين سعر الفائدة (5.5%) ومعدل التضخم (3%)، وهو ما يتم ترجمته إجتماعيًا، بأن ما يحصل عليه المستثمرون من فوائد عن إيداعاتهم تزيد عن الإرتفاعات في أسعار السلع بنسبة 2.5%، مما يساعدهم على مواجهة أعباء تلك الإرتفاعات ويتيح كذلك فائضًا يُعاد إستثماره في نفس الأدوات.
ما أثار غضب ترامب مما أعلنه جيروم باول من سياسات نقدية لخفض أسعار الفائدة، يرتبط بأمرين: أولا، أن هذا يُعَد مؤشرًا على انخفاضات متوقعة في معدل التضخم، وهو أمر يصب في مصلحة بايدن كمرشح رئاسي محتمل، وثانيا، أن خفض أسعار الفائدة يُمَثِل قاعدة ذهبية يتميز الحزب الجمهوري بتبنيها دومًا باعتباره حزب رجال الأعمال والاستثمار، فكلما انخفضت أسعار الفائدة، زادت معدلات الاستثمار المباشر. يعنى هذا الأمر سياسيًا، أن باول قد نزع من بين يدي ترامب ورقة مهمة كان يُعِدُها ليخاطب بها أنصاره، فأفقده ما يميزه عن منافسه الديمقراطي أيًا كان اسمه، وينتقص من حظوظه في الانتخابات. حين سأل الصحفيون جيروم باول عن تأثير نقد الجمهوريين لسياساته على فرص إعادة تعيينه رئيسًا للاحتياطي الفيدرالي لفترة ثالثة، أجاب بأنه لا يأبه بذلك فهو لا يسعى لفترة ثالثة، وأن هذا العام سيكون بالغ الأهمية لمجلس المحافظين بالاحتياطي الفيدرالي وللسياسات النقدية الأمريكية، وأنه ورجاله مُقَيَّدون للغاية، حيث تركيزهم الأساسي مُنصَبٌ على أداء وظائفهم.
للعبة الانتخابات الأمريكية حسابات مُعقدة ومتشابكة تحكمها إستراتيجيات تُرسَم خطوطها العريضة في حي المال والأعمال الذي تمتد اهتمامات أربابه من مانهاتن-نيويورك لتتقاطع مع بؤر الأوفشور في الكاريبي وفي أوروبا حيث المالُ الذي يَلِدُ مَالًا، ولتعبر المحيطات صوب الشرق الأوسط المشتعل دومًا والزاخر بثرواتٍ من مصادر الطاقة التقليدية كالنفط والغاز والمصادر البديلة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والكهرباء. وعلى الرغم من أن المنافسة بين أمريكا والصين وما ترتب عليها من نزاعات بمناطق أخرى من العالم، قد أضافت مزيدًا من تعقيد وتشابك تلك الحسابات، إلا أن لعوامل الانسجام النفسي والعاطفي، تأثير ملموس في قرارات وأفعال رجل بِجُمُوح دونالد ترامب، الذي قد يطيح برئيس الاحتياطي الفيدرالي، إن عاد إلى البيت الأبيض بنهاية هذا العام. فلنتابع ونري ما الذي ستسفر عنه أحداث التسعة أشهر القادمة.

search