مزايدات مرفوضة
د. وليد عتلم
ما يحدث من محاولات للتشكيك وتقليل الدور المصري في أزمة غزة هو مزايدات مرفوضة تماما، مرفوضة شكلاً، مرفوضة مضموناً. مصر ولمدة 75 عاماً قدمت للقضية الفلسطينية منذ نكبة 48 ما لم يقدمه أحد.
على المستوى الإغاثي؛ الأرقام لا تكذب ولا تتجمل، أول قافلة مساعدات لغزة كانت مصرية بعد 36 ساعة فقط من بداية العدوان قدمها التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي، ضمت 95 شاحنة من المساعدات و3 سيارات إسعاف و500 متطوع. تلي ذلك إطلاق التحالف لحملة التبرع بالدم وهي الأكبر منذ أكتوبر 1973، بالتعاون مع وزارة الصحة وبنك الدم، تحت شعار "قطرة دماء تساوي حياة" والتي شملت كافة ميادين ومحافظات مصر، وشهدت تفاعل شعبي كبير من كافة أطياف الشعب المصري.
وحتى تاريخه قدم التحالف الوطني ما يقترب من 400 شاحنة بحمولة 7000 طن مواد غذائية، ونحو 78 شاحنة مواد طبية بحمولة 1500 طن، شارك فيها أكثر من 32 مؤسسة من كبرى مؤسسات العمل الأهلي والمجتمع المدني في مصر أعضاء التحالف، ونحو 7000 مرابط وليس متطوع، رفعوا شعار "مرابطون حتى الإغاثة" نفذوا أكثر من 422 ألف ساعة تطوع. حتى أمانات التحالف الوطني على مستوى المحافظات قدمت دعماً كبيراً في قوافل الإغاثة والمساعدات، في مجهود إغاثي هو الأكبر عالمياً.
الجهود الإغاثية لم تقتصر على مؤسسات التحالف أو مؤسسات العمل الخيري فقط، بل امتدت لعدد من المؤسسات الاقتصادية والصناعية، على رأسها مجموعة "حديد عز" المصرية المجموعة الصناعية الأكبرعلى مستوى الشرق الأوسط وأفريقيا، قدمت واحدة من أكبر القوافل الإغاثية ضمت نحو 45 شاحنة مساعدات طبية وغذائية في إطار النهج الوطني والمسئولية المجتمعية للمجموعة مصرياً وعربياً.
ليس ذلك فقط؛ "مجموعة عز" وضعت العدوان على غزة على رأس جدول أعمال المؤتمر السنوي للاتحاد العربي للحديد والصلب، قمة الصلب العربي في دورتها الـ 16، والتي عقدت بالقاهرة خلال أكتوبر الماضي، التي بدأت بدقيقة حداد تضامنا مع الأشقاء في فلسطين، وإدانة للعدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، ذلك رغم ابتعاد نشاط وموضوعات القمة عن القضايا السياسية.
ثم قرار الحملة الرسمية للمرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي، توجيه أموال الدعاية الانتخابية لنصرة الأشقاء في فلسطين، للدعم، وللتخفيف من المعاناة التي يعيشها الأشقاء في قطاع غزة نتيجة العدوان الوحشي اللاعقلاني. وهو قرار قوي من حملة قوية لمرشح قوي.
وأخيراً القافلة الأضخم لصندوق تحيا مصر، التي تم أطلاقها بحضور الدكتور مصطفي مدبولي رئيس مجلس الوزراء، واشتملت القافلة على نحو 199 شاحنة مساعدات، بحمولة 2510 أطنان محملة بكل الاحتياجات الضرورية والملحة لدعم الأشقاء الفلسطينيين، وأهمها الاحتياجات الطبية من أجهزة وأدوية. ذلك إضافة إلى استقبال المستشفيات المصرية لمئات الحالات من الجرحى والمصابين جراء العدوان، ثم الرئيس السيسي وكعادته في قرار إنساني رفيع هدفه الحفاظ على أرواح الأطفال الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني يوجه بقافلة إسعاف مصرية لنقل الأطفال حديثي الولادة والحالات الحرجة من المجمعات الطبية الفلسطينية التي تتعرض للقصف على مدار الساعة إلى المستشفيات المصرية، وهم أكثر من 600 حالة.
لذلك؛ بالأرقام، والجهود ـ التي لا تكذب ولا تتجمل ــ وكما ذكر الدكتور مدبولي فمصر قدمت أكثر من ثلثي مساعدات أهالي غزة، وكل شعوب العالم الآخر قدمت الثلث الآخر. مصر قدمت ملحمة إغاثية يشهد لها الكاره قبل المحب، والمعارض قبل المؤيد، وهذا ليس بجديد على دولة يونيو وقيادتها الوطنية، كنا أول من قدم المساعدات لكل من تركيا وسوريا في أزمة الزلزال المدمر، ثم المساعدات لدولة ليبيا الشقيقة بعد اجتياح الفيضانات للمدن الليبية.
على المستوى السياسي؛ مصر تتحمل عبء القضية كله منذ 1948، ومنذ الساعات الأولى للأزمة والعدوان كان الموقف السياسي المصري واضحاً لا يحتمل اللبس أو التأويل. أعلنت فيها القاهرة لاءات مصرية قوية وحاسمة، لا للتهجير القسري للفلسطينيين، لا توطين لأهل غزة في سيناء، لا لتصفية القضية الفلسطينية، لا إدارة إسرائيلية لغزة بعد انتهاء الحرب، ولا مساس بالأمن القومي المصري أو السيادة المصرية على كامل الأراضي المصرية.
ثم دعوة مصر لقمة القاهرة للسلام التي كان لها الأثر الأكبر في فضح الممارسات الإسرائيلية وكامل مخطط العدوان على غزة أمام العالم، لتخسر إسرائيل ولأول مرة معركة الرأي العالم العالمي، وتحتشد ميادين العواصم الغربية إدانة ورفض للعدوان الإسرائيلي.
أما الجهود السياسية والأمنية المصرية لتوفير ممرات آمنة للمساعدات، أو إقرار هدن إنسانية، وحتى العمل على وقف إطلاق النار، فغير المعلن منها أكثر بكثير مما هو معلن، وهذا دأب الأجهزة المصرية، لا تستهدف الاستعراض أو الشعبوية بقدر ما تستهدف النتائج الفعلية على الأرض لصالح القضية.
أما بعد؛ لسنا في حاجة لشهادات إشادة وتقدير خارجية للجهود المصرية، موقفنا تجاه القضية المصرية رسمياً وشعبياً ينطلق من ثوابت ومدركات تاريخية، لكننا نرفض المزايدة على دور ممتد لأكثر من 75 عاماً، دور يتجاوز بكثير عمر بعض الدول والكيانات التي تشكك وتزايد على موقف ثابت، ومثبت بالتاريخ، والشواهد، والأدلة. مصر أثبتت وبما لا يدع مجالا للشك أن "مسافة السكة" ليس مجرد شعاراً، بل هي حقيقة تتجسد.
أخبار ذات صلة
هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في سوق العمل؟
-
نعم
-
لا
أكثر الكلمات انتشاراً