فؤاد عبد الرحيم يكتب.. إرهاب أصحاب الأرض؟
المراسل الدولي فؤاد عبد الرحيم
اختلف العالم حول تعريف واحد للإرهاب، واستفاض علماء النفس والخبراء والساسة في محاولة إيجاد معنى أو صيغة تٌجمِع عليها الحكومات داخل الأمم المتحدة للنظر بعين واحدة لما قد يطلق عليه إرهابا، رغم أن المسألة بغاية الوضوح من الناحية الإنسانية، فلا يجب أن يختلف اثنان على الشعور بالخوف أو الرهبة أو الترهيب تجاه شيء بعينه، ولكن المسألة على مستوى الدول لها أبعاد مختلفة عن المفهوم البسيط والذي قد يجتمع عليه الناس، وإن اختلفت ألوانهم وألسنتهم.
بالنسبة للحكومات المسألة تتعدى مجرد الشعور البشري، وإن لم تستثنيه، إلى نواحي سياسية واقتصادية واجتماعية ترتبط بالمصالح والكيانات والأرض والمجتمعات، وغير ذلك كثير، بل وكلما زاد التطور التكنولوجي توسعت وتعقدت مسألة تعريف الإرهاب بأشكاله المختلفة، وزاد الفشل في الاتفاق على مفهوم يرضي مكونات المجتمع الدولي، ويشمل مخاوف ومصالح الدول على اختلاف جغرافيتها ورؤيتها.
ومع ذلك اجتهدت الأمم المتحدة وخبرائها وأعضائها في التوصل لمفاهيم أو صيغ عامة، قد يتفق عليها عدد من الدول خلال فترة زمنية معينه تجاه مجموعة أو منظمة أو دولة بعينها، وقد يتغير المفهوم بتغير الموضوع والزمن.
على سبيل المثال تُعرّف آلية المراقبة والإبلاغ والدعم لمكافحة الإرهاب الممولة من الاتحاد الأوروبي (CT MORSE) الإرهاب بأنه "الاستخدام غير القانوني للعنف والترهيب، وخاصة ضد المدنيين، في السعي لتحقيق أهداف سياسية".
طبيعة "إرهابية"، وينص قرار الجمعية العامة 49/60 بتاريخ 4 ديسمبر 1994، والذي بنت عليه التدابير الهادفة للقضاء على الإرهاب الدولي، على أن الإرهاب هو "الأعمال الإجرامية التي ترتكب قصدا أو عمدا من أجل إثارة حالة من الرعب في صفوف الناس عامة أو جماعة من الأشخاص لأي غرض من الأغراض، ليس لها ما يبررها مهما كانت الظروف، ومهما كانت الاعتبارات أو العوامل التي قد يتم التذرع بها لتبريرها".
وبناء على هذا، تعتبر الأمم المتحدة حركة طالبان "منظمة إرهابية" رغم أنها تحكم دولة أفغانستان، كما تصنف منظمات مثل "القاعدة" و"داعش" على أنها إرهابية، فيما يتم تصنيف حزب الله وحماس على أنها مجموعات إرهابية أيضا، وبالتالي يعد الأشخاص المنتسبين لها أو المرتبطين بها "إرهابيون" مطلوبون للعدالة الدولية.
وقد يبدو كل ذلك جيدا ولا غبار عليه إذا تمت المساواة بين "الموصوفون بالإرهاب" أو المصنفون "إرهابيون" نظرًا لمخالفتهم للقوانين والأعراف والقرارات الدولية، أو نظرا لاعتدائهم على الغير.
وحيث إن المساواة تعد دليلا على الصدق في التوصيف، فلا يجوز التعريف أو التسمية على حسب الهوى أو الرغبة من قبل المجتمع الدولي على طرف من معادلة أو مشكلة أو نزاع ما، دون التطرق للطرف الآخر في المعادلة. فإذا كان هناك جانِ أو معتدِ، فيجب أن يكون الطرف الآخر معتدى عليه، وهكذا، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بنزاع تاريخي معروف الأسباب والدوافع، وليس بمجموعة متطرفة أو خارجة عن العدالة، أو تحاول تغيير نظام الدول بالقوة أو التآمر، أو التدخل في شؤون الغير بدون وجه حق.
فعدم المساواة في التوصيف أو التصنيف يعد كيلا بمكيالين، وهو في الحقيقة ما يعاني منه نزاع الشرق الأوسط بصفة عامة والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص.
وإذا كان ما تقوم به حماس "إرهابًا"، وهي جماعة فلسطينية، تقاتل دفاعًا عن أراضٍ فلسطينية ضد احتلال وعدوان على أراض فلسطينية، فماذا قد يسمى ما تقوم به إسرائيل المحتلة لأراضي فلسطينية منذ عشرات السنين، وباعتراف وإجماع دولي وشهادة مجموعة لا بأس بها من قرارات الأمم المتحدة التي تطالبها بالانسحاب من غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، وتسليم تلك الأراضي خالية من المستوطنات والمستوطنين.
لماذا لا يتفق العالم على أن احتلال أراضي الغير هو في حد ذاته "إرهاب" دون شك، والاعتداء على الغير داخل أرضه المحتلة أيضا "إرهاب"، فما بالك بالقتل بالآلاف والتشريد والتجويع والتخريب والتآمر لتهجير أصحاب الأرض، وغيرها من أعمال "الإرهاب"، تحت ذريعة واحدة، هي "الدفاع عن النفس".
لماذا لا يجمع العالم على أن ضرب البنى التحتية، وقتل المدنيين، والتجويع، ومحاولات تهجير أصحاب الأرض إرهابا؟. كيف يتم خلط الأوراق، بل وعكس الأوراق، من خلال تعريف ما تقوم به إسرائيل على أنه دفاع عن النفس؟، ولماذا لا يسمع العالم منطق دبلوماسية دول كبرى لها ثقلها في المنطقة وتاريخها مثل مصر، وهى البادئة بمفهوم السلام منذ عشرات السنين، وهى التي تجاوزت عما سلف، وتدخلت من البداية، وبدعم قطري واضح، من أجل التوسط لإنهاء المجازر وإيجاد حل متوافق مع قرارات الشرعية الدولية؟.
هل هناك من قد يشكك في تعريف التطرف والإرهاب تجاه كيان أو جماعة أو أشخاص تدافع عن أرضها وتنال الشهادة على تلك الأرض، ولو اختلفنا معها من حيث السياسة أو التوجه العام؟.
إن كان السنوار وأمثاله إرهابيون فقد أرهبوا بالفعل ولديهم من صنعهم.. ربما أرهبوا من اعتدى عليهم وعلى أرضهم، وشيوخهم وأطفالهم، وغير ذلك كثير.
فؤاد عبد الرحيم هو مراسل دولي ومتخصص في شؤون الشرق الأوسط.
أخبار ذات صلة
ما توقعاتك لأسعار الفائدة في اجتماع البنك المركزي اليوم؟
-
رفع سعر الفائدة
-
خفض سعر الفائدة
-
تثبيت سعر الفائدة
أكثر الكلمات انتشاراً