دينا شرف الدين تكتب.. لمحات من مصر على مر العصور (مصر البطلمية 1)
دينا شرف الدين
بدأ عصر مصر البطلمية عندما أعلن بطليموس الأول نفسه فرعونًا على مصر في عام 305 ق.م وانتهى مع وفاة الملكة كليوباترا وتحوّل مصر إلى ولاية رومانية في عام 30 ق.م.
عُرفت المملكة البطلمية بأنها دولة هلنستية قوية، وخلال عصر تلك الدولة، كانت الإسكندرية عاصمة للثقافة اليونانية، ومركزا تجارياً لها.
كانت البداية عندما نجح الإسكندر المقدوني في هزيمة الفرس في آسيا الصغرى، ثم واصل فتوحاته حتى الهند حيث استعان هناك بفريق بحري وطواقم استكشافية مصرية، ومن قبلها نجح في طرد الفرس من مصر دون مقاومة منهم في عام 333 ق·م.
توج الإسكندر نفسه ملكا على طريقة ملوك مصر، ووضع الأساس لمدينة الإسكندرية لتكون عاصمة لدولته، ثم حج إلى معبد آمون في واحة سيوة والذي كان يتمتع بشهرة عالمية واسعة في ذلك الوقت، وبعد وفاة الإسكندر تم تقسيم ولايات الإمبراطورية اليونانية بين قواده؛ ليحكموها باسم التاج المقدوني.
كانت مصر من نصيب بطليموس Ptolemeé بن لاجوس Lagos وهو من أشهر قواد الإسكندر ذلك بعد أن اختارها لنفسه، ثم تم تقسيم بقية البلدان الأخرى بين قواد الإسكندر.
جاء بطليموس إلى مصر في خريف سنة 323 ق.م. باعتباره واليًا عليها، وحكم البلاد حكمًا مطلقًا.
كان أول عمل هام قام به بطليموس الأول؛ ليوطد مركزه هو نقل رفات الإسكندر إلى مصر في جنازة كبرى سارت عبر البلاد التي فتحها حتى وصلت إلى مصر، ودُفن جثمانه مؤقتًا في «منف»، ثم نُقل منها إلى الإسكندرية بعد أن أتم بطليموس تشييد ضريح فخم للإسكندر في ساحة «السوما»، ليمنح نفسه بذلك مجدًا يؤهله لخلافة الفاتح العظيم، ويجعله أقرب الناس إليه.
أدت أطماع قواد الإسكندر إلى حروب شعواء قطَّعت أوصال الإمبراطورية، وقامت على أنقاضها ثلاث ممالك مستقلة كانت أعظمها وأقواها دولة البطالمة في مصر، ففي سنة 305 ق.م نصب "بطليموس الأول " نفسه ملكًا على مصر، وجعل الملك وراثيًّا في ذريته، ومن هنا جاءت تسميتهم بالبطالمة.
حكم البطالمة مصر منذ 333 حتى 30 ق·م، حيث تولى حكم مصر 15 ملكا بطلميا، وظلت دولة البطالمة قوية في عهد ملوكها الأوائل ثم حل بها الضعف بعد ذلك بسبب ضعف الملوك.
سرعان ما استغل الرومان الموقف، إذ سعت روما لبسط نفوذها على مصر وقضت على البطالمة سنة 30 ق·م أيام حكم الملكة كليوباترا السابعة التي كانت آخر ملوك مصر البطلمية وانتهى استقلال مصر وانضمت إلى الإمبراطورية الرومانية.
في عهد البطالمة تم تقسيم مصر إلى قسمين كبيرين على غرار النموذج المصري القديم، مصر العليا ومصر السفلى.
كما تم تقسيم كل قسم إلى مديريات يرأس كل واحدة منها موظف كبير يطلق عليه "القائد" شريطة أن يكون يوناني الأصل، ويستمد سلطته ونفوذه من الملك مباشرة، ويخرج من دائرة هذا التقسيم ثلاث مدن اختصها البطالمة بنظام مستقل وهي:
- "الإسكندرية"، وكانت العاصمة وموطن الإدارات الحكومية.
- "بطلمية" (العاصمة الثانية التي أسسها بطليموس الأول فى صعيد مصر) .
- نقراطيس (مدينة إغريقية أعدت موطنًا للإغريق المقيمين فى مصر).
التفرقة العنصرية بعهد البطالمة
على الرغم من طول المدة التي حكمها البطالمة لمصر التي بلغت ثلاثة قرون، فإنهم لم يتركوا لغتهم ولم يتعاملوا بغيرها، وظلوا مقدونيين يونانيين طوال هذه القرون.
استأثر الإغريق بالمناصب الرفيعة في الدواوين وفي القصر الملكي، ولم يكن نصيب المصريين سوى الوظائف الصغيرة فحسب، واستعلى البطالمة على المصريين عامة، واتخذوا من اليهود عملاء لهم وأولياء، وأغدقوا عليهم المزايا ليضمنوا بقاءهم إلى جانبهم، وليُفسدوا بهم القومية المصرية.
أنشأ البطالمة جيشًا معظمه من المقدونيين واليونانيين، ولم يجندوا فيه المصريين؛ خوفًا من أن تستثيرهم الروح الحربية وتدفعهم إلى المطالبة بحقوقهم واستقلالهم، وكانت لهم فيه الأعمال الثانوية فقط كالنقل والتموين، وكان البطالمة يستقدمون الجيوش المرتزقة من مقدونيا واليونان ويغرونهم بالإقطاعيات الزراعية ترغيبًا لهم في البقاء بمصر.
اقتصرت أعمال السخرة في المنافع العامة على المصريين دون المقدونيين واليونانيين، مع أن مزايا هذه السخرة قد استأثر بها هؤلاء الأجانب المستعمرون.
زادت أعباء الضرائب على عاتق المصريين بسبب إسراف البطالمة في نفقاتهم وأهوائهم، وكثرة الحملات البرية والبحرية التي شنُّوها على جيرانهم، دون أن يعود منها أي فائدة لمصر، مع استمرارهم في سياسة اضطهاد المصريين.
لجأ المصريون في مقاومة هذا الاضطهاد إلى الحل السلبي المقتصر على الإضراب عن العمل، واشترك في هذا الإضراب الفلاحين في المَزارع، والعمال في المصانع و المناجم والمحاجر، وكانت الحكومة تقابل هذا الإضراب بالقمع والاضطهاد، ما دفعهم للجوء إلى سياسة جديدة في المقاومة، وهي هجر المزارع والمصانع، والاختفاء في الصحارى والمعابد.
عهد بطليموس الثاني
خفت حدة هذه التفرقة العنصرية التي مارسها البطالمة ضد أصحاب الأرض من المصريين، حيث دلت كل الوثائق على أن «بطليموس الثاني» كان أول ملك بطلمي سار على نهج الفراعنة القدامى من الناحية الدينية نزولاً علي رغبات الشعب المصري الأصيل، فقد تزوج من أخته من أمه وأبيه؛ ليحفظ الدم الملكي الإلهي من أن يختلط بدم أجنبي كما كان العرف عند ملوك مصر القدامى منذ بداية العهد المصري القديم، رغم أن هذا الإجراء لم يكن يتفق مع التقاليد الإغريقية قط، بل كان يُعتبَر فسقًا وزنًى عند الإغريق.
وتماشيًا مع التقاليد المصرية سمى بطليموس الثاني نفسه ابن «رع» أو ابن «آمون»، ومن ثم أخذ يعظِّم شعائر الدين المصري القديم في كل أنحاء البلاد، ويقيم من أجل ذلك المعابد الجديدة، ويصلح ما كان قد تهدم منها، كما حبس عليها الأوقاف ومنحها الهبات، أي أن «بطليموس الثاني» قد أحيا الشعائر المصرية في كل معابد مصر إرضاء لميول الشعب ورغباته.
مظاهر الحضارة المصرية في عهد البطالمة
تأثرت الثياب خلال العصر البطلمي بثياب الفاتحين، فارتدى الرجال والنساء ملابس صنعت من قطع كبيرة من القماش، بشكل طيات أو ضفائر أو أكمام واسعة، وكانت قطعة القماش تثبت في مكانها باستخدام دبابيس، وتبنى المصريون ملابس إغريقية، منها: الخيتون والهيماتيون (الشملة) والكلاميس.
بنى البطالمة في الإسكندرية القصور والحدائق وأصبحت الإسكندرية مركزا للحضارة حيث ذاعت شهرتها في مجال الفن والعلم والصناعة والتجارة كما أنها كانت الميناء الأول في البحر المتوسط بفضل منارتها الشهيرة التي اعتبرها الإغريق إحدى عجائب الدنيا السبع·
للحديث بقية..
أخبار ذات صلة
ما توقعاتك لأسعار الفائدة في اجتماع البنك المركزي اليوم؟
-
رفع سعر الفائدة
-
خفض سعر الفائدة
-
تثبيت سعر الفائدة
أكثر الكلمات انتشاراً