أيمن عبدالمنعم يكتب.. جولة ثانية من الحرب الباردة
صورة تخيلية للحرب الباردة
أيمن عبدالمنعم
أعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، حربًا جديدة، والتي كانت حربًا بين فكر سياسي وفكر سياسي مضاد، بين معسكرين اختلفت خصائصهما بصورة واضحة، إلا أنهما اجتمعا على هدف واحد، وهو محاولة الهيمنة على العالم، خاصًة وأن كل طرف كان يعلم ما قد يقوم به الآخر ضده، الحرب الباردة كانت بين المعسكر الشرقي على رأسه الاتحاد السوفيتي بفكره الاشتراكي، والمعسكر الغربي على رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، بأفكار الديمقراطية الغربية والرأسمالية.
بدأ سباق الحرب الباردة بين المعسكرين والتي كانت إما حربًا بالسباق العملي والتكنولوجي، أو من خلال محاولة تقوية أواصر العلاقات الدبلوماسية مع القوى الأخرى في العالم حينها، أو استغلال الدول الفقيرة أو النامية، إما عسكريًا، من خلال إنشاء حروب بالوكالة في مناطق مختلفة من العالم، أو لفرض الهيمنة السياسية والاقتصادية على دول الجنوب العالمي، لاستغلال ثرواته في تحقيق الأهداف التي يسعى إليها دول المعسكر الغربي، من الهيمنة على الاقتصاد العالمي، واحتكار السلع الاستراتيجية والاستهلاكية والعسكرية، وغيرها من الأهداف الأخرى التي سعى إليها الغرب.
كانت كفة المنتصر في تلك الحرب مبهمة، خاصًة وأن المعايير العسكرية لم تكن واضحة خلالها، كما سبق وقولنا، كانت حربًا باردة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بل يمكن القول أنها حرب تعتمد في الأساس على طول النفس، وطويل النفس بين الطرفين هو من يستطيع الصمود، خاصًة وإن حاز هذا المنتصر على دعم شعبه، والذي كان عنصرًا مفقودًا بالنسبة للمعسكر الشرقي أو بمعنى أدق بالنسبة للاتحاد السوفيتي، الذي قرر اتباع سياسة لا يمكن وصفها سوى بالديكتاتورية العلنية، ما ولد حالة غضب شعبية، تسببت في سقوطه فيما بعد، وإعلان انتصار الديمقراطية الغربية بنظامها الرأس المالي، على الديكتاتورية الشرقية بنظامها الاشتراكي، في الجولة الأولى من الحرب الباردة.
ومع سقوط الاتحاد السوفيتي، وقيام روسيا الاتحادية، كان لدى “موسكو الجديدة” آمال في أن تحوز رضا الحلفاء القدامى، الذين كانوا في صفها خلال الحرب العالمية الثانية، مرة أخرى، خاصًة مع صورتها الجديدة التي حاولت إبراز قيم الديمقراطية الغربية خلالها، وهو ما تمثل في الانتخابات الأولى التي أقيمت داخل موسكو الجديدة، والتي أسفرت عن فوز بوريس يلتسن، كأول رئيس منتخب ديمقراطيًا في روسيا الاتحادية، لتبدأ روسيا مسارًا جديدًا لتأسيس علاقات دبلوماسية جديدة مع الحلفاء الغربين القدامى وعلى رأسهم الولايات المتحدة الامريكية، خاصًة وأن سقوط الاتحاد الأحمر كان سبب في سقوط خلافات معسكري العالم الممثلين في حلف الناتو عن الكتلة الغربية، وحلف وارسو الممثل للكتلة الشرقية.
ومع مرور سنوات معدودات، بدأت الجولة الثانية من الحرب الباردة، والتي يعتبرها العديد بمثابة الطريق للوصول إلى حرب عالمية ثالثة، مع اتساع القوى الجديدة فيها، عادت روسيا لمكانتها مرة أخرى وسط دول العالم، ونصبت نفسها بجوار حلفائها الشرقيين كأقطاب عالمية جديدة، وآمنت خلال صياغة علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية بأن العالم عليه أن يتخلص من الأحادية القطبية، التي ظل الغرب محافظًا عليها طوال عقود عديدة، سيطر خلالها على مجريات العالم، دون شريك أو منافس حقيقي له.
وعلى الرغم من حذو روسيا خطوات عديدة تشابهت كثيرًا مع الخطوات التي اتخذها الاتحاد السوفيتي من قبله، إلا أنها اتخذت في الوقت نفسه خطوات مخالفة تمامًا للصورة القديمة، من بينها غياب الترويج للفكر السياسي الاشتراكي، واللعب بمبادئ الديمقراطية الغربية في محاولة واضحة من “موسكو الجديدة” لتحويل الفكر الغربي إلى سلاح لصالحها في حربها الباردة الجديدة، بالإضافة إلى توسيع العلاقات مع طرفين مهمين في النزاع البارد الجديد، وهو الطرف الأقوى والصديق التاريخي بالنسبة لروسيا، وهم الصين، كوريا الشمالية، وإيران والتي تعد حليفًا جديدًا وقوة جديدة على الساحة العالمية، أما الطرف الآخر الذي يتمثل في الجنوب العالمي "أفريقيا"، والتي استطاعت أن تكتسب أطرافًا عديدة منها إلى صفها، مثل دول الغرب الأفريقي، التي قررت الاتجاه لروسيا وإيران والصين كحلفاء لها، لأن ماضي الجنوب العالمي مع الغرب لم يكن الماضي الأمثل.
عاد العالم مرة أخرى للانقسام إلى معسكرات متلائمة بصورة كبيرة في الفكر السياسي، وكأن تحالف وارسو يعود تدريجيًا وسط محاولات الغرب للحفاظ على عرشها المتين والمتماسك منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، من خلال تعزيز التحالفات العسكرية والسياسية، ومحاولة التضييق على المعسكر الشرقي من خلال فتح آفاق علاقات قوية، مع الدول الشرقية المتمسكة بالفكر الغربي كاليابان وكوريا الجنوبية، ومن خلال تقوية الروابط من القارة الأفريقية، ومحاولة تسهيل سبل التعاون معها، حتى لا يلحق الغرب بأسره بركب فرنسا التي خسرت حلفاء من القارة السمراء، كالنيجر، ومالي، وبوركينا فاسو، نتيجة قطار الانقلابات الأخير الذي اجتاح أفريقيا بصورة واضحة مطلع العقد الجديد من القرن الحالي.
ومع الانقسام العالمي والواضح وظهور الأقطاب الجديدة، ظهرت القوى المحايدة، والتي استطاعت ببراعة أن توازن في علاقاتها بين الشرق والغرب، مثل البرازيل، والأرجنتين، ومصر، والسعودية، وبجوار الحياد الفردي من قبل تلك الدول، ظهرت محاولة عالمية للتوفيق بين الكتلتين الشرقية والغربية مع إكساب الجنوب العالمي مكانة سياسية مختلفة، عن مكانته في السابق، التي كانت شبه معدومة وهو ما تمثل في ظهور مجموعة دول العشرين، والذي يعد منصة تجمع بين الكتلتين، ومحاولة غربية لحل القضايا التي ظلت عالقة طوال عقود بين معسكري العالم، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وحتى سقوط الاتحاد السوفيتي.
ختامًا يعد انتهاء الحرب الباردة، بمثابة انتهاء مؤقت لأزمات "الفكر السياسي" و"نظم الحكم"، بين الشرق والغرب، أعقب تلك الحرب هدنة بلغت سنوات معدودة، ليعقبها جولة جديدة بين ذات الطرفين، لكن تلك المرة بقوى عالمية جديدة، وبفكر سياسي مختلف، وتغير واضح لتعامل الدول المتقدمة مع الدول النامية، حتى لو كان تغيرًا ظاهريًا، ما يجعل توقع الفائز في الجولة الثانية من تلك الحرب أمرًا صعبًا نسبيًا، خاصًة وأن الحرب تحولت إلى حرب اقتصادية – دبلوماسية خالصة، يكاد أن ينعدم العنصر العسكري المباشر فيها، مع الاحتفاظ بطابع الحرب بالوكالة لإضفاء نوع من الإثارة فيها.
تابع موقع الجمهور عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع الجمهور عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا
الجمهور، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة المصرية ، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار، الاقتصاد، حوادث وقضايا، تقارير وحوارات، فن، أخبار الرياضة، شئون دولية، منوعات، علوم وتكنولوجيا، خدمات مثل سعر الدولار، سعر الذهب، سعر الفضة، سعر اليورو، سعر العملات الأجنبية، سعر العملات المحلية.
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
ما توقعاتك لأسعار الفائدة في اجتماع البنك المركزي اليوم؟
-
رفع سعر الفائدة
-
خفض سعر الفائدة
-
تثبيت سعر الفائدة
أكثر الكلمات انتشاراً