محمد رزق: مصر أمام فريضة واجبة.. تقليل الفاتورة الاستيرادية
المهندس محمد رزق
الاقتصاد المصري أصبح أمام معضلة فرضتها أحداث عالمية خلال السنوات الأربع الأخيرة، وحرب خاصة من جماعات لها أهداف فوضوية ودول تحاول تعميق الأزمة لهذا الاقتصاد الناشئ، الذي أصبح مهيّأ لطفرة حقيقية في أكثر من مجال، وبين محاولة الانطلاق وبين هذه العوامل التي تقيد حركته، أصبح على من يمسك بزمام الاقتصاد المصري التعاطي مع هذه المعطيات، فالاستثمار في البنية التحتية وإجراءات الإصلاح الاقتصادي، لم تحقق بعد المردود الاقتصادي المنتظر منها، لأنها لم تكتمل بالثورة الصناعية وهذا ما أعلن عنه البرنامج الانتخابي للرئيس عبد الفتاح السيسي بأن القادم هو الصناعة لتحقيق المردود الاقتصادي من البنية التحتية، ولا يخفي علي الجميع أن مصر من أكبر الدول استيرادا للحبوب، خاصة القمح والأعلاف ومدخلات صناعة الحديد والأخشاب وهي أكثر ما تستورده مصر من أوروبا والتي تأثرت بالحرب الروسية الأوكرانية ووصلت لأسعار غير مسبوقة وهذه المنتجات ليس لها بديل في مصر ولا يمكن الاستغناء عنها، لذا وجب تقليل الجمارك علي المواد الخام، خاصة التي تدخل في صناعات تتحول إلي منتج نهائي يعاد تصديره وهذا يعد دعم للتصدير بطريقة مباشرة، فهذا الدعم تكلفته لا تمثل شيئا بالنسبة للمكاسب التي سوف تتحقق من زيادة الحصيلة الدولارية للدولة، كما يجب دعم المزارعين خاصه المصدرين منهم والاستغناء قدر الإمكان عن ما يمكن الاستغناء عنه، واستبداله بمنتج محلي، علي سبيل المثال الملابس فلا يعقل أن تمتلك مصر أفضل قطن في العالم وتستورد أغلب احتياجاتها من الملابس، لقد كنا أقوى عندما كنا نصنع كل شيء في بلدنا من السيارة النصر وملابس غزل المحلة وغيرها، وهذا لا يعني أن يكون السبق للقطاع العام، بل لابد من فتح المجال للقطاع الخاص لأنه الأقدر علي المنافسة والإدارة ولابد من دعمه والتسويق له عن طريق الملحق التجاري للسفارات المصرية المنتشرة في جميع أنحاء العالم.
لذلك أصبحت مصر أمام فريضة لا يمكن التأخر فيها، وهي تقليل الفاتورة الاستيرادية، بعد الارتفاع غير المنطقي لأسعار العملات الأجنبية، والتي تتدخل فيها عوامل لا تمس اقتصاديات السوق.
الدولة من جانبها وضعت قيودا على دخول بعض السلع، ومنعت دخول سلعاً أخرى، إلا أن هذه الإجراءات يمكن اعتبارها محدودة، أمام ضرورة زيادة الإنتاج والتوسع في التصدير، ومنافسة السلع المستوردة بمثيلتها محلية الصنع، وهو ما يتطلب تنفيذ إجراءات سريعة، تساعد على المدى القريب والمتوسط في تقليل هذه الفاتورة الاستيرادية، وعلى المدى البعيد، تحقيق صادرات أكبر من الواردات، من أهم هذه الإجراءات تعديل النظام الضريبي للمستثمرين سواء محليين أو أجانب، تساعدهم في التوسع في ضخ الأموال لزيادة الإنتاج، بتسهيل الإجراءات الضريبية وتوحيدها لخلق بيئة جاذبة، فلا يعقل أن يجد المستثمر أمام مستويات من الضرائب في كل مدخلات الإنتاج، تزيد التكلفة الإنتاجية، ما يجعل من سعر المنتج النهائي أغلى من المستورد، بجانب ضرورة التوسع الأفقي للضرائب وليس الرأسي، بتفعيل إدارات الحصر الضريبي، وطرح حوافز وامتيازات لصغار المنتجين، وهي الشريحة الأكبر والتي تمثلها السوق الموازية، فلا يمكن مطاردة مصانع بئر السلم باعتبارهم لصوصا، فهم منتجون أولاً أرادوا العمل، ولم تسعفهم القوانين أو مخاوفهم من بيروقراطية الدولة في السير في المسار القانوني، فهؤلاء هم القوة الضاربة لأية اقتصاد في العالم، يجب إغراؤهم أولاً للدخول في النظام الضريبي، مع الوضع في الاعتبار أن أصحاب هذه المصانع لديهم مخاوف كبيرة من الدخول في النظام الضريبي، ما يتطلب رفع حد الإعفاء لهذه المصانع أو الورش الصغيرة، فما أعلنت عنه وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية قبل أشهر من إدخال 60% من الاقتصاد الموازي في الاقتصاد الرسمي كان تصريحاً إيجابياً، ولكن ما هو غير إيجابي أن التقيت بعدد من هؤلاء، فوجئت بأنهم لم يستوعبوا مفهوم الرقمنة، ولديهم مخاوف منطقية، فوجدوا أنفسهم أمام دفع ضرائب خصمت من مكاسبهم، ولم تقدم لهم الدولة شيئا في المقابل، اضطرتهم للتحايل أيضاً عليها، فمازالت الحكومة عاجزة عن كسب ثقة المنتجين المحليين، فما بالنا بالمستثمر الأجنبي.
باختصار فإن نظام ضريبي جذاب ومرن وثابت، خاصة على مدخلات الإنتاج أصبح ضرورة ملحة لجذب مزيد من الاستثمار الأجنبي، ودفع الاقتصاد غير الرسمي للدخول في الاقتصاد الرسمي، خطوة أولى لزيادة الإنتاج وخفض فاتورة الاستيراد، وللحديث بقية.
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في سوق العمل؟
-
نعم
-
لا
أكثر الكلمات انتشاراً