الأحد، 29 ديسمبر 2024

03:23 م

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

tru

دكتورة مها عبد القادر تكتب.. «مكافحة التنمر الرقمي»

 د. مها عبد القادر

د. مها عبد القادر

A A

تعتبر استراتيجية التربية الرقمية من الأدوات الفعالة في مواجهة التنمر، وهي جزء من الجهود المبذولة من قبل الدولة لمكافحة التنمر الإلكتروني، حيث تسهم في توفير بيئة أكثر أمانًا على الإنترنت، وتمكين الأفراد من التعامل مع مواقف التنمر بشكل إيجابي وتتضمن هذه الاستراتيجية، فلسفة التجاهل وتعتمد على تجاهل التعليقات السلبية والرسائل المسيئة، مما يقلل من تأثير المتنمر ويمنعه من الحصول على الاستجابة التي يسعى إليها، حيث يمكن أن يكون التجاهل وسيلة فعالة حتي لا نمنح المتنمر القوة التي يحتاجها للاستمرار في سلوكه العدواني.

كما أن المواجهة القوية في حال استمرار التنمر، تجعل موقف الضحية قويًا وتتضمن المواجهة التهديد بالتصعيد أو استخدام صلاحيات الحظر على المنصات الاجتماعية، هذه الخطوات تشعر المتنمر بالخطر، وإلي جانب ذلك من الضروري استخدام كافة الطرائق المتاحة للإبلاغ عن المتنمرين عبر المنصات الاجتماعية أو الجهات المختصة، مما يساهم في محاسبة المتنمرين على أفعالهم، والأهم نشر الوعي بخطورة التنمر الإلكتروني بين الأفراد، مما يساعد في تقليل انتشاره ويشجع الضحايا على اتخاذ خطوات فعالة لمواجهته مع إعطائهم الشعور بالأمان، وتحث المتنمرين على التفكير في عواقب أفعالهم

وكل ما تمت الإشارة إليه يتطلب العمل على تدريب ضحايا التنمر، وتمكينهم من مهارات تأمين الخصوصية؛ ليحجم تطفل الآخرين حيال ما يقوم به من ممارسات عبر العالم الافتراضي، بالإضافة إلى تعريفه بكافة بالقوانين، والتشريعات التي تمنع التنمر؛ ليواجه بها الشخص الذي يمارسه، ومن ثم تمتد آليات المواجهة التي تتبناها التربية الرقمية حيال ظاهرة التنمر الرقمي؛ حيث تسعى من خلال ما تقدمه من محتوى هادف، وأنشطة ثرية إلى إكساب المواطن الرقمي مهارات عديدة تساعده في صقل شخصيته؛ ليصبح قادرا على صناعة، واتخاذ القرار في الوقت المناسب، وبالتالي يمتلك مرونة، وقدرة على التصرف في المواقف المحرجة، أو الطارئة. 

وهنا تتضافر الجهود المؤسسية مع التربية الرقمية لتزويد الأفراد بصورة مقصودة، وبمنهجيات متنوعة، ومتعددة وهادفة مهارات حل المشكلات، حيث يهدف هذا التكامل إلى تنمية مهارات مثل الصبر والتواصل الفعّال مع الآخرين، مما يساعد الأفراد على تأكيد ثقتهم بأنفسهم وتقديرهم لذواتهم، كما يُشجعهم على الالتزام بالقيم الاجتماعية، مما يدعم الهوية والانتماء، بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر اكتساب المهارات التقنية أمرًا حيويًا، حيث يُمكن الأفراد من التحكم في المعلومات المتاحة لهم وحماية خصوصياتهم، وعلاوة على ذلك، تساهم التربية الرقمية في تطوير أنماط التفكير العليا، مما يُمكن الأفراد من اتخاذ قرارات مستنيرة ومبنية على التحليل النقدي؛ وبذلك، تُعد هذه العملية تجسيدًا للتنمية الشاملة التي تسهم في بناء مجتمع واعٍ وقادر على مواجهة التحديات.

وفي هذا السياق هناك حاجة ملحة للتوافق المؤسسي لصياغة وتوظيف أنشطة ممنهجة تقوم فلسفتها على تعضيد معايير المواطنة الرقمية وأن تُستل وتُستند هذه الأنشطة إلى مقررات تساعد الأفراد على الاستخدام الأمثل والآمن لشبكة المعلومات الدولية والتطبيقات الرقمية، بالإضافة إلى التوعية، والمتابعة، والإرشاد المستمر؛ لضمان الأمان الشخصي والمعلوماتي، وفي هذا الإطار، ومن ثم تلعب الأسرة دورًا محوريًا في مسؤولية التوعية والإرشاد لأبنائها، بشأن استخدام المستحدثات الرقمية وأن تساهم في تأمين معلوماتهم الشخصية وتوجيههم نحو المواقع الرسمية التي توفر الأخبار الصحيحة، وهنا يجب تنمية وعي وقدرة الأفراد على استبعاد الأخبار المزيفة والشائعات المنتشرة، مما يسهم في بناء مجتمع واعٍ ومتمكن من التعامل مع المعلومات بشكل مسؤول، حيث يُمكن بهذه الطريقة تحقيق أقصى درجات الأمان الرقمي وتنمية قيم المواطنة الرقمية.

وتُعتبر المؤسسة التربوية مسؤولة بشكل مباشر عن تدريب طلابها في جميع المراحل الدراسية على مهارات واستراتيجيات الأمن السيبراني، مما يُمكّن الأفراد من التعامل مع الثورة الرقمية وتطبيقاتها الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي بأدواته المبهرة والمتنوعة من حيث الوظيفة، والاستخدام، ومن الضروري توسيع الوعي الرقمي للأسرة لتأكيد قدرتها على استخدام استراتيجيات الأمن السيبراني لحماية أبنائها من مخاطر التنمر الرقمي والهجمات الإلكترونية عن صد الرسائل المزعجة بتجنبها أو حذفها، وتفعيل خاصية الحظر؛ لحماية الأبناء من الأشخاص المتنمرين وإعادة ضبط الخصوصية؛ لضمان أمان الحسابات الشخصية.

مع إمكانية استبدال الحسابات إذا لزم الأمر، أو كتابة تقرير عن المتنمرين، والتصدي المباشر للمتنمرين، وإبلاغ الجهات المختصة، أو الانسحاب المؤقت من مواقع التواصل الاجتماعي إذا كانت الحالة تستدعي ذلك؛ فهذه الخطوات تساعد في تقليل آثار التنمر وتنمية السلوكيات الإيجابية لدى الأفراد؛ لذلك فالشراكة بين المؤسسات التربوية، والاجتماعية، والمعنية بحماية المواطن تُعد ضرورية لتحقيق هذا الهدف بصورة إجرائية تحقق المُناخ الآمن لمستخدمي الشبكة الدولية للمعلومات، وتطبيقاتها، حتى تحدث الاستفادة المرجوة منها؛ فلا ينبغي أن تترك الساحة منفتحة لمن يقومون بهذا التنمر، بل يجب إفشال محاولاتهم بكافة الطرائق، والاستراتيجيات الممكنة، مما يسهم في بناء بيئة آمنة وصحية للتفاعل الرقمي.

وتُعتبر مواجهة ظاهرة التنمر الرقمي عبر البيئة الافتراضية من المهمات الأساسية التي ينبغي أن تتبناها المؤسسات، ويشمل ذلك العمل على تتبع المتنمرين وفهم أسباب سلوكياتهم غير الصحية، وتقديم النصح لهم، أو إخضاعهم لبرامج علاجية، ولأجل ذلك لابد من استخدام استراتيجيات فعّالة للتعامل معها دون اللجوء إلى العنف، الذي قد يؤدي إلى تفاقم المشكلة وزيادة السلوكيات السلبية؛ لذلك يجب أن يتضمن التضافر المؤسسي في مكافحة التنمر الرقمي تنمية الوعي بالأمن الفكري لدى أبنائنا، مما يسهم في حماية عقولهم ويدفعهم للتفكير النقدي فيما يدور حولهم، بالإضافة للاهتمام بتصويب أي معتقدات تؤدي إلى سلوكيات غير ملائمة تتعارض مع القيم المجتمعية، حيث إن قيم الحب، والود، والترابط، والتواصل الإيجابي القائم على الاحترام، تشكل الأساس للنسيج الاجتماعي المتماسك، ويُمكن من بناء مجتمع قوي ومتحد، يعكس المحبة والود للوطن وللجميع.

أ.د/ مها عبد القادر

أستاذ أصول التربية 

كلية التربية بنات بالقاهرة - جامعة الأزهر

search