بالتزامن مع زيارة الرئيس السيسي، العلاقات المصرية الأيرلندية شراكة سياسية واقتصادية راسخة

تُعد العلاقات المصرية الأيرلندية نموذجًا للشراكة المثمرة بين الدول، حيث تمتاز بالتنسيق المتواصل والتشاور المستمر في القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، لا سيما ما يتعلق بعملية السلام في الشرق الأوسط، قضايا نزع السلاح، ومنع الانتشار النووي.

البُعد السياسي للعلاقات

وشهدت العلاقات السياسية بين مصر وأيرلندا نشاطًا ملحوظًا عبر تبادل الزيارات الرسمية واللقاءات الثنائية رفيعة المستوى، وكان آخرها لقاء وزير الخارجية المصري السابق سامح شكري بنظيره الأيرلندي ميهول مارتن في 26 مايو 2024 على هامش اجتماع مجلس الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي في بروكسل، حيث ناقش الطرفان تطورات العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة ورفح، مؤكدين ضرورة وقف إطلاق النار وتجنب التداعيات الإنسانية.

وفي 20 يونيو 2023، بعث الرئيس عبد الفتاح السيسي برقية تهنئة إلى ملك بريطانيا وأيرلندا الشمالية الملك تشارلز الثالث بمناسبة العيد القومي، في خطوة تعكس أهمية العلاقات الدبلوماسية مع أيرلندا، كما أرسلت مصر تعازيها في ديسمبر 2022 إلى حكومة وشعب أيرلندا بعد مقتل أحد عناصر قوات "اليونيفيل" في لبنان، وهو ما يُظهر روح التضامن بين البلدين.

بالإضافة إلى ذلك، عقدت جولات مشاورات سياسية بين البلدين، مثل اللقاء الذي جمع السفير بدر عبد العاطي، مساعد وزير الخارجية المصري، مع السفيرة الأيرلندية سونيا هايلاند في أكتوبر 2020، حيث ناقش الطرفان القضايا الإقليمية، خاصة الأزمة الليبية، والتوترات في شرق المتوسط، وجهود مكافحة الإرهاب.

وفي السياق ذاته، ناقش وزير الخارجية الأيرلندي سيمون كوفيني مع وزير الخارجية المصري السابق سامح شكري تطورات الملف الأوكراني، وتداعيات بروتوكول أيرلندا الشمالية، مما يعكس تنسيقًا مستمرًا حول القضايا الدولية البارزة.

التعاون الاقتصادي والتجاري

اقتصاديًا، تُعد أيرلندا سوقًا واعدة للصادرات المصرية، حيث تعتمد أيرلندا بشكل كبير على استيراد احتياجاتها المحلية، نظرًا لصغر حجم سوقها المحلي، في حين تركز على تصدير منتجاتها إلى الخارج، هذه المعادلة تفتح المجال أمام المنتجات المصرية للنفاذ إلى السوق الأيرلندية، خاصة في ظل تنامي الاهتمام العالمي بالسلع الغذائية والزراعية، وهو ما يُعد فرصة حقيقية أمام مصر لتعزيز صادراتها.

الزيارات الرسمية واللقاءات رفيعة المستوى

وتُظهر الزيارات الرسمية بين المسؤولين المصريين والأيرلنديين عمق العلاقات بين البلدين، ومن أبرز هذه الزيارات:

لقاء الرئيس السيسي ورئيس وزراء أيرلندا: في 24 سبتمبر 2019، التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي برئيس وزراء أيرلندا ليو فارادكار في نيويورك، وناقش الجانبان التعاون في مجالات الدفاع، الأمن، مكافحة الإرهاب، والجريمة المنظمة.

زيارات وزراء الخارجية: شهد عام 2018 زيارة وزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى أيرلندا، حيث أجرى حوارًا مع معهد الشؤون الدولية والأوروبية، وتناول تطورات قضايا الشرق الأوسط ورؤية مصر لحل الأزمات الإقليمية.

اتصال الرئيس الأيرلندي بالرئيس السيسي: في 28 أغسطس 2017، أجرى رئيس وزراء أيرلندا ليو فارادكار اتصالًا هاتفيًا مع الرئيس السيسي، أكد خلاله اعتزاز بلاده بالعلاقات مع مصر، وأهمية تعزيز التعاون المشترك في كافة المجالات.

واستقبل الرئيس الأيرلندي مايكل دي هيجنز رئيس مجلس النواب المصري السابق الدكتور علي عبد العال في 2018، حيث ناقش الجانبان القضايا البرلمانية والقضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك.

الدور الأيرلندي في مجلس الأمن والأمم المتحدة

واستغلت أيرلندا عضويتها في مجلس الأمن لتكثيف التنسيق مع مصر، خاصة في قضايا الشرق الأوسط، وشهدت المشاورات السياسية بين الجانبين مناقشات حول قضايا ليبيا، الأزمة السورية، مكافحة الإرهاب، والهجرة غير الشرعية، وكانت مصر دائمًا طرفًا فاعلًا في هذه الحوارات، لا سيما فيما يتعلق بقضايا السلم والأمن الدوليين.

وفي يناير 2017، زار وفد برلماني أيرلندي مصر، حيث التقى بالرئيس السيسي، وتمت مناقشة قضية المواطن الأيرلندي من أصل مصري "إبراهيم حلاوة"، إلى جانب القضايا الإقليمية، مثل مكافحة الإرهاب ودعم الاستقرار في المنطقة.

التعاون في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب

وتلعب مصر دورًا محوريًا في مكافحة الإرهاب، وهو ما نال إشادة من الحكومة الأيرلندية. ففي يونيو 2017، تلقى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالًا هاتفيًا من نظيره الأيرلندي سيمون كوفيني، حيث أعرب الأخير عن تضامن بلاده الكامل مع مصر في معركتها ضد الإرهاب، خاصة بعد الحادث الإرهابي الذي وقع في رفح.

آفاق مستقبل العلاقات المصرية الأيرلندية

وتتمتع العلاقات المصرية الأيرلندية بإمكانيات هائلة لمزيد من التعاون على المستويين السياسي والاقتصادي. فمن الناحية السياسية، يستمر التنسيق حول قضايا الشرق الأوسط، لا سيما القضية الفلسطينية، والأزمة الليبية، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، ومن الناحية الاقتصادية، تبرز أيرلندا كسوقٍ مهمة يمكن أن تستوعب المزيد من الصادرات المصرية، خاصة مع تصاعد الاهتمام بالأسواق الجديدة والبحث عن مصادر بديلة لتوريد المنتجات.

وتُعد العلاقات المصرية الأيرلندية نموذجًا للشراكة المتكاملة التي تمتد إلى أبعاد سياسية، اقتصادية، وأمنية، واستنادًا إلى سجل اللقاءات الثنائية، يبدو أن البلدين يحرصان على تعزيز هذه العلاقات عبر تبادل وجهات النظر، التنسيق في المحافل الدولية، ودعم جهود السلام والاستقرار الإقليمي، ومن المتوقع أن تشهد العلاقات مزيدًا من التقدم في المستقبل القريب، بفضل الالتزام المشترك بالمصالح المتبادلة ودعم الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا.