الجمعة، 22 نوفمبر 2024

08:21 ص

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

الحلقة الثامنة

شهادات وذكريات، يرويها مصطفى بكري لـ«الجمهور»: صعيدي في مونت كارلو

مصطفى بكري

مصطفى بكري

A A

- ممدوح البلتاجي اختارني.. وصفوت الشريف هاجمني.. وغسان سلامة حذرني.. وجاك تاكيه عزلني


- تغطيتي لأحداث الحرب في الخليج كانت وراء القرار وفريدة الشوباشى استقالت بسبب الحوار مع بيريز


- لم أستطع البقاء في باريس إلا لأيام قليلة.. وقدمت نشرة الأخبار مع جورج قرداحي

 

هذه ليست قصة حياة، بل شهادة حية على مرحلة تاريخية مهمة، عشت فصولها، انتصاراتها وانكساراتها، حلوها ومرها، اقتربت من صناع هذه الأحداث أحيانًا، وكنت ضحية لعنفوانهم فى أحيان أخرى، معارك عديدة دخلتها، بعضها أودى بي إلى السجون، لم أنكسر، ولم أتراجع عن ثوابتي، وقناعاتى.

أروى هذه الشهادات، التي ينشرها موقع "الجمهور" بصدق وموضوعية، بعض شهودها أحياء، والبعض رحل إلى الدار الآخرة، لكن التاريخ ووقائعه لا تنسى، ولا يمكن القفز عليها، وتزوير أحداثها.

فى هذه الحلقات التي ينشرها موقع "الجمهور" يوم "الجمعة" من كل أسبوع، يروى الكاتب والبرلماني مصطفى بكرى، شهادته عن أزمات وأحداث كان شاهدًا عليها خلال فترات حكم الرئيس السادات والرئيس مبارك والمشير طنطاوي ومرسي والرئيس السيسي.
 

1- الطريق إلى مونت كارلو 

كانت إذاعة مونت كارلو في التسعينيات هي محل متابعة واهتمام من الكثيرين؛ حيث كانت تقوم ببث الأخبار الهامة عبر مراسليها في أنحاء العالم، ومن بينها مصر، التي كانت تشهد في هذه الفترة تطورات هامة وخطيرة، منها ما يتعلق بأوضاعها الداخلية، وتحديدًا قضية الإرهاب والعمليات التي كانت تقوم بها "الجماعة الإسلامية" تحديدًا، خاصة في صعيد مصر، ومنها ما يتعلق بالأوضاع في منطقة الخليج في أعقاب الغزو العراقي لدولة الكويت وانعكاساته على المنطقة.


كانت تربطني علاقة خاصة بالدكتور ممدوح البلتاجي، الذى كان يشغل منصب رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في هذا الوقت، كنت أذهب إليه في مكتبه الكائن بالقرب من ميدان طلعت حرب، نتحدث في كل شيء، فنشأت بيني وبينه علاقة صداقه تتعدى حدود العلاقة المهنية؛ حيث كان مسئولًا عن متابعة كل ما ينشر في الصحافة ووسائل الإعلام الدولية.

                                       الدكتور  ممدوح البلتاجي 

وقد كنت أعمل في هذا الوقت مديرًا لمكتب مجلة كل العرب التي كانت تصدر من باريس، وكنت أكتب أيضًا لفترة من الوقت في مجلة "الوطن العربي" التي كان يترأسها الصحفي اللبناني الشهير وليد أبو ظهر، وغيرها من الصحف والمجلات.
حدثتني مدام "ليلى" مديرة مكتب د. ممدوح البلتاجي ذات مساء، وطلبت منى الحضور إلى مقر الهيئة لمقابلة د. البلتاجي في الحادية عشرة صباحًا، ذهبت في الموعد المحدد، ووجدت د. ممدوح البلتاجي في انتظاري، كان ذلك في عام 1989، قال لي البلتاجي: لقد اخترتك للعمل مراسلًا لإذاعة مونت كارلو من القاهرة، وسيتواصلون معك وأرجو ألا ترفض ذلك، فاجأني الخبر، لم أتردد، قلت له على الفور: شكرًا لك يا دكتور؛ لكنني لم أعمل بالعمل الإذاعي من قبل، وقال د. البلتاجي: أعتقد أنك مؤهل لذلك، لا تتردد.
كانت كلمات د. البلتاجي بالنسبة لي عاملًا مشجعًا على القبول، لم أتخوف التجربة، كنت واثقًا من النجاح، وهو ما دعاني إلى قبول العرض بمجرد أن اتصل بي إنطوان أبو سمرة، الذى كان يتولى منصب مدير القناة، من مقرها الرئيسي في باريس، بينما كان يتولى رئاسة مجلس الإدارة "جاك تاكيه" وهو فرنسي الجنسية، ومعين من قبل وزارة الخارجية الفرنسية التي كانت تتولى الإشراف المالي والإداري على الإذاعة.


وكان قرار اختياري مراسلًا لإذاعة مونت كارلو صادمًا للبعض من الذين سعوا كثيرًا لتولي هذا الموقع، إلا أن ترشيح د. البلتاجي والاختبارات التي أجرتها الإذاعة لأدائي كان حاسمًا، فتم اعتمادي مراسلًا للإذاعة الشهيرة وبدأت أبث رسائلي من القاهرة.


كنت أمضي في شوارع باريس مشيًا على الأقدام، أقطع المسافة ما بين الشانزليزيه وشارل ديجول، ذهابًا وإيابًا كل يوم، حتى يأتي المساء فأذهب إلى الفندق لأغلق على نفسى باب حجرتي، وفى الصباح الباكر أتواجد في مقر الإذاعة، التي قدمت فيها نشرة الأخبار مع جورج قرداحى .

                                   مصطفى بكرى فى مكتب مونت كارلو 
 

رغم مضى أيام قليلة على تواجدي في العاصمة الفرنسية في هذا الوقت، إلا أن الحنين إلى الوطن كان يسيطر على كل مشاعري، هكذا تعودت طيلة حياتي، لا أستطيع الصمود كثيرًا في الغربة بعيدًا عن مصر وشوارعها وقراها.. كان قلبي يهفو للعودة سريعًا كنت أفضِّل العمل فى القاهرة كمراسل على أي مكان آخر.
كانت بداية التسعينيات قد شهدت تطورَيْن مهمَيْن فى المنطقة.
- الأول: يتعلق بالأوضاع فى مصر، وانتشار ظاهرة الإرهاب في العديد من المناطق، خاصة فى صعيد مصر.
- والثاني: يتعلق بالتطورات المتسارعة في المنطقة خاصة بعد الغزو العراقي للكويت وتبعاته التي أحدثت انقسامًا في العالم العربي.


كنت أتابع أحداث العنف والإرهاب، أذهب إلى مواقع الحدث، خاصة في قرية "صنبو" التي شهدت أحداث عنف راح ضحيتها الكثيرون، وصنبو هي إحدى قرى مركز ديروط بمحافظة أسيوط، والتي نشب فيها صراع مسلح بين عائلتين إحداهما مسلمة والأخرى مسيحية بسبب بيع منزل بالقرية، ومع سقوط أحد أعضاء الجماعة الإسلامية المسلحة قتيلًا برصاص العائلة المسيحية، ردت الجماعة بالهجوم في 4 مايو 1992، ونتج عن عملية الهجوم سقوط 13مسيحيًا، وهكذا تداعت الأحداث في هذه القرية المترامية الأطراف في صعيد مصر، وهى كانت بالمناسبة موطن ناجح إبراهيم الذى كان أميرًا للجماعة في أسيوط، ثم أعلن توبته، وابتعد عنها.
كنت أقوم بتغطية أحداث "صنبو" في هذه الفترة، وكانت هذه الأحداث محل اهتمام الرأي العام، توخيت الموضوعية في رسائلي التي كنت أبثها في الإذاعة في هذا الوقت، وظللت على هذا النهج حتى اليوم الأخير، وهكذا في تغطية بقية الأحداث التي تقع على الساحة المصرية.


                                              لقاء صحفي مع هيكل 

كنت أتابع أحداث وتداعيات ما يجرى في منطقة الخليج وتحديدًا عملية تحرير الكويت، والتحالف الدولي الذى كان يشن الحرب علي العراق في هذا الوقت، وقد كان موقفي منذ البداية هو ضد الغزو العراقي للكويت، لكنني كنت أطالب بالحل السلمى، وأحذر من خطورة التحالف الدولي الذى تقوده أمريكا على المنطقة بأسرها؛ لأنى كنت أدرك أن أمريكا ليست مخلصة في الوقوف عند حد تحرير الكويت، وإنما كان الهدف هو تحطيم العراق وقوته العسكرية لصالح إسرائيل على أن يكون  هو البداية، التي ينطلق منها مخطط الشرق الأوسط الجديد.
 

كنت أتابع تفاعلات الشارع المصري مع تطورات حملة التحالف ضد العراق والتي لم تتوقف عند حدود تحرير الكويت وإنما امتدت للتوغل في جنوب العراق.


                                    مصطفى بكرى وصفوت الشريف 

كنت أنقل نبض المصريين وخاصة طلاب الجامعات في رفضهم للحملة التي تقودها أمريكا والتي امتدت إلى داخل العراق، ويبدو أن نقلي لهذه الأحداث قد تسبب في زيادة حدة المظاهرات في جامعة القاهرة تحديدًا، وخاصة بعد إطلاق العراق صواريخ "سكود" ضد إسرائيل؛ حيث عمت البهجة لدى المصريين لإطلاق هذه الصواريخ، وهو ما استدعى من وزير الإعلام صفوت الشريف أن يصدر بيانًا أذيع في كافة وسائل الإعلام اتهم فيه تغطيتي للأحداث بأنها تغطية تهدف إلى الإثارة والتحريض، وكانت تلك رسالة إلى من يعنيهم الأمر في إذاعة مونت كارلو.
كان التضييق الأمني يتزايد في هذه الفترة إلا أنني لم أكترث لكل ذلك، ومضيت في طريقي، وأنا على ثقة بأن هناك تحركات عديدة تجرى ضدي بهدف عزلي من موقعي كمراسل للإذاعة.
 

2- كارت أصفر من غسان سلامة 


في العشرين من شهر إبريل من عام1993، التقيت السيد غسان سلامة. بناء على طلبه، وكان يشغل منصب المعلق السياسي لإذاعة مونت كارلو، كان معي في هذا اللقاء شقيقي محمود بكرى، التقينا سويًا في فندق سميراميس بوسط القاهرة، تحدثنا عن الأوضاع الراهنة، حدثني عن رسائلي الإذاعية، وقال لي: إن هناك تحفظات من إدارة الإذاعة على مضمون هذه الرسائل التي يبدو فيها انحيازي للعراق واضحًا، قلت له: أنا أنقل الحقائق دون مواربة، قال لي ولكن السلطات المصرية لها نفس التحفظات أيضًا، ودول الخليج احتجت أكثر من مرة لدى الإذاعة على مضمون هذه الرسائل، وقال: إنني أحمل لك رسالة واضحة من السيد "جاك تاكيه" رئيس مجلس إدارة الإذاعة يتساءل فيها عن كيفية التوفيق بين عملك المهني كمراسل للإذاعة وبين توجهاتك السياسية كــ"ناصري"، قلت له: رسائلي موضوعية ولا علاقة لها بتوجهاتي السياسية، قال: أنا أنقل لك الرسالة وفقط.

                       
              

                                           غسان سلامة 

منذ هذه اللحظة أدركت مغزى الرسالة التي حملها لي السيد غسان سلامة، الذى أصبح مبعوث الأمم المتحدة لحل الأزمة الليبية فيما بعد، وعرفت أن ساعة الرحيل عن الإذاعة قد اقتربت، وكان غسان سلامة قد أبلغني قبلها أنه يريد تحديد موعدا مع الأستاذ محمد حسنين هيكل بحضوري، وبالفعل ذهبنا ثلاثتنا أنا وهو وشقيقي محمود بكري (رحمة الله عليه) وكان لقاءً عامًا، تحدثنا فيه عن تطورات الأوضاع في المنطقة في ضوء ما يجرى في العراق ومنطقة الخليج، انتهى اللقاء وبعدها سافر غسان سلامة إلى باريس.

3- لقاء النهاية مع جاك تاكيه 


وظللت أبعث برسائلي إلى الإذاعة بشكل دوري ومنتظم يوميًا، كانت الرسائل تعكس نفس الموقف والذى يعكس رأى الشارع ويحذر من خطورة المخطط الأمريكي في المنطقة، ومع تأزم الأوضاع، تم إخطاري بموعد لقائي مع السيد "جاك تاكيه" المدير العام لإذاعة مونت كارلو الذى جاء إلى القاهرة خصيصًا.
وبالفعل جرى اللقاء بحضور الزميلة جيداء بلبع والتي كانت مسئولة عن القسم الثقافي بمكتب القاهرة.
عقدنا أكثر من جلسة، وفى كل جلسة كان "جاك تاكيه" يطلب منى تغيير موقفي من الوضع السائد في الخليج، والكف عن توجيه الانتقادات إلى قوى التحالف الدولي والتحريض ضدها، تحدثنا كثيرًا، وقلت له: إنني ملتزم بالمهنية، وإن تغطياتي محايدة، وإنني لا يمكن أن أوظف الأخبار أو التغطيات للأحداث بما يخدم توجهات دول التحالف.


وبعد ثلاث جلسات متتالية قال لي "جاك تاكيه": عليك أن تختار بين أن تدعم رؤية الإذاعة أو أن تستمر في نهجك بنفس مواقفك، قلت له: أختار الاستمرار بنفس مواقفي، وإذا كان الأمر سوف يسبب لكم حرجًا، فأنا أتنحى عن عملي بالإذاعة، وجدت استحسانًا فوريًا من السيد "جاك تاكيه" لما قلت، فبادرني بالقول: ستصلك بقية مستحقاتك، ومن الآن ستكون الزميلة "جيداء بلبع" هي مراسلة الإذاعة في مصر، أثنيت على هذا الاختيار وشكرته وانتهت علاقتي بمونت كارلو.    

وكانت، آخر رسائلى للإذاعة في الثامن من يوليو 1993، بعدها نقلت المذيعة وداد علم الدين خبر إنهاء عملي بالإذاعة عبر نشرة الأخبار، بعدها بفترة قليلة رن جرس الهاتف في مكتبي وكانت فريدة الشوباشى هي المتحدث على الجانب الآخر، قالت لي بصوت غاضب: أنا كمان قررت تقديم استقالتي من الإذاعة.
سألتها مندهشًا: ولماذا؟
 

4 - المشروع الأمريكي لتفتيت الشرق الأوسط 

قالت: حيعملوا حوار مع شيمون بيريز، وأنا لا أستطيع أن أقبل العمل في إذاعة تجرى حوارًا مع واحد من القتلة..
صممت فريدة على موقفها، ورفضت كافة المحاولات لإثنائها عن هذا الموقف وجاءت إلى مصر بعدها بفترة، والتقينا في منزلي بحضور زوجها الراحل على الشوباشي أكثر من مرة، وكان الهم الأساسي لنا: ماذا يدبر للمنطقة خلال الفترة القادمة، قالت فريدة: الأوضاع ستزداد تدهورًا، وأمريكا بدأت مشروعها الكبير لتفتيت المنطقة لصالح إسرائيل.


                                           فريدة الشوباشى 

وكان الحاضرون جميعًا.. جمال الغيطاني صديقنا المشترك، وكامل زهيري ، ويوسف الشريف، ومحمد عودة، وحسنين كروم، جميعنا قد أبدينا مخاوفنا من مخاطر المرحلة القادمة، خاصة مع إحكام الحصار على العراق في هذه الفترة، وكان هناك يقين لدى كافة الحاضرين: أن القادم أسوأ بكثير، وأن الهدف ليس فرض الحصار على العراق واحتلال أجزاء من أراضيه فحسب، بل الهدف هو إسقاط الدولة وفتح الطريق المخطط، وكانت الأحداث تتداعى في المنطقة، ونذر الحرب القادمة تدق في كل مكان، حتى بعد انتهاء الجولة والإحصار ولى والتي لم تكتف بتحرير الكويت وإنما امتدت إلى العراق والسعي إلى تحطيم كامل قوته العسكرية، لم يكن أحد يرغب أو يدعم غزو الكويت، بغض النظر عن الأسباب والمسببات والخديعة التي تعرض لها الرئيس صدام حسين على يد السفيرة الأمريكية وإنما كان الخطر الذى حذرنا منه، ألا يقتصر الأمر على تحرير الكويت، وانما تحقيق الهدف الرئيسي لأمريكا وحلفائها وهو تحطيم العراق ليكون البداية لغزو المنطقة وتفتيت أقطارها.

                                     الرئيس الراحل صدام حسين 

اختلف معي الكثيرون، وهوجمت كثيرًا في وسائل الإعلام والصحافة الكويتية، وكتب فؤاد الهاشم، مقالات ضدي في جريدة الوطن الكويتية تعدت العشرات، لم يقتصر الأمر على الصحافة الكويتية، بل امتد إلى الصحافة المصرية، لكنني مضيت في طريقي محذرًا من الخطر القادم.

تابع موقع الجمهور من خلال (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع الجمهور عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا

تابع موقع الجمهور عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجمهور، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة المصرية ، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار، الاقتصاد، حوادث وقضايا، تقارير وحوارات، فن، أخبار الرياضة، شئون دولية، منوعات، علوم وتكنولوجيا، خدمات مثل سعر الدولار، سعر الذهب، سعر الفضة، سعر اليورو، سعر العملات الأجنبية، سعر العملات المحلية.

search