في ذكرى اغتياله، مَن أطلق الرصاص على رائد الفكر التنويري فرج فودة؟
الكاتب والمفكر فرج فودة
أحمد عجاج
شهد يوم الثامن من يونيو عام 1992، اغتيال رائد الفكر التنويري الكاتب والمفكر فرج فودة، على يد الجماعات الإسلامية عقب صدور فتوى بتكفيره، بتحريض مباشر من جماعة الإخوان المسلمين وقياداتها، الذين استحلوا دمائه لمخالفته ومعارضته منهجهم وأدبياتهم التي تغلغلت في عمق المجتمعين المصري والعرب.
إطلاق الرصاص على فرج فودة رائد الفكر التنويري
اغتيل فودة على يد اثنين من الجماعات الإسلامية، قبل 32 عامًا فى السادسة والنصف مساء يوم الثامن من يونيو عام 1992، حيث غُدِر بالراحل قبيل أيام من عيد الأضحى المبارك، أمام الجمعية المصرية للتنوير بشارع أسماء فهمي بمصر الجديدة بمحافظة القاهرة، حيث مكتب فرج فودة.
عند خروج فرج فودة من الجمعية المصرية للتنوير، بصحبة ابنه أحمد وصديق آخر، وفي أثناء توجههم لركوب السيارة، انطلق اثنان من الجماعات الإسلامية يستقلان دراجة نارية، وهم أشرف إبراهيم قائد الدراجة البخارية، وعبد الشافي رمضان الذى أطلق الرصاص من رشاش آلي بحوزته فأصاب «فودة» إصابات بالغة في الكبد والأمعاء، بينما أصاب صديقه وابنه إصابات طفيفة، وانطلقا هاربين.
سائق سيارة فودة يقبض على المنفذ
انطلق سائق سيارة فرج فودة خلفهما وأصاب الدراجة النارية وأسقطها قبل محاولة فرارها إلى شارع جانبي، وسقط عبد الشافي رمضان وارتطم رأسه بالأرض وفقد وعيه فحمله السائق وأمين شرطة كان متواجدا بالمكان إلى المستشفى، حيث ألقت الشرطة القبض عليه، أما أشرف إبراهيم فقد تمكن من الهرب.
اعترافات قاتل فرج فودة أثناء محاكمته
«لا أقرأ ولا أكتب» بهذه الكلمات أجاب عبد الشافي رمضان أحد قاتلي فرج فودة، على سؤاله أثناء التحقيق معه، فلما سُؤل من أي كتبه عرفت أنه مرتد، وعن المحرض على قتل فودة قال قتلته بناء على فتوى الدكتور عمر عبد الرحمن مفتي الجماعة الإسلامية بقتل المرتد في عام 1986، ولما سُئل لماذا اختار موعد الاغتيال قبيل عيد الأضحى، أجاب: «لنحرق قلب أهله عليه أكثر».
تلقى التكليفات من القيادات الإسلامية
ومع استمرار التحقيقات، اعترف عبد الشافي رمضان بأنه تلقى تكليفا من صفوت عبد الغني، القيادي بالجماعة الإسلامية والمحبوس في السجن في قضية اغتيال الدكتور رفعت المحجوب منذ 1990، وذلك عن طريق محاميه منصور أحمد منصور، وبأنه حصل على الرشاش الآلي من أبو العلا عبد ربه، وتلقى تدريبات رياضية عنيفة على يد محمد إبراهيم، وحصل مع شريكه الهارب أشرف إبراهيم على الدراجة النارية من جلال عزازي، وبأنهما اختبئا عند وليد سعيد وحسن علي محمود وأشرف عبد الرحيم حتى وقت العملية، بينما قام محمد عبد الرحمن وعلي حسن برصد تحركات فودة لاختيار أفضل مكان مناسب لتنفيذ عملية الاغتيال، وألقت الشرطة القبض على كافة المتهمين وقدمتهم إلى محكمة أمن الدولة طوارئ.
34 جلسة محاكمة
وعقدت المحكمة 34 جلسة استمعت فيها إلى أقوال 30 شاهدا، وطلب المحامون شهادة الدكتور محمود مزروعة، رئيس قسم العقائد والأديان بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، والذي ترأس ندوة علماء الأزهر بعد سفر الدكتور عبد الغفار عزيز إلى المملكة العربية السعودية، وفي يوم شهادة الدكتور مزروعة تطوع للشهادة الشيخ محمد الغزالي، واستمرت شهادته لمدة نصف ساعة.
شهادة الشيخ محمد الغزالي
واستمرت شهادته لمدة نصف ساعة، وقال فيها «إن فرج فودة بما قاله وفعله كان في حكم المرتد، والمرتد مهدور الدم، وولي الأمر هو المسئول عن تطبيق الحد، وأن التهمة التي ينبغي أن يحاسب عليها الشباب الواقفون في القفص ليست هي القتل، وإنما هي الافتئات على السلطة في تطبيق الحد».
شهد الدكتور مزروعة
واستمرت شهادته لمدة ثلاث ساعات قال فيها: «إن فرج فودة كان يحارب الإسلام في جبهتين، وزعم أن التمسك بنصوص القرآن الواضحة قد يؤدي إلى الفساد إلا بالخروج على هذه النصوص وتعطيلها، وأعلن هذا في كتابه «الحقيقة الغائبة»، وأعلن رفضه لتطبيق الشريعة الإسلامية، ووضع نفسه وجندها داعية ومدافعا ضد الحكم بما أنزل الله، وكان يقول: لن أترك الشريعة تطبق ما دام فيّ عرق ينبض، وكان يقول على جثتي، ومثل هذا مرتد بإجماع المسلمين، ولا يحتاج الأمر إلى هيئة تحكم بارتداده».
إعدام قتلة فرج فودة رائد الفكر التنويري
أكد المتهمون أن شهادة الشيخ الغزالي، والدكتور مزروعة، تكفيهم ولو وصل الأمر لإعدامهم بعد ذلك.
حكمت المحكمة بإعدام عبد الشافي رمضان ونُفِّذ فيه الحكم، كما حكمت بسجن محمد أبو العلا لتوفيره السلاح، وبرأت باقي المتهمين، غير أن وزارة الداخلية اعتقلتهم، ونقلتهم إلى سجن الوادي الجديد، وتردد أنه كان يتم تعذيبهم يوميا، وبعد 6 أشهر تفرقوا في مختلف السجون، ولكن أحدهم وهو علي حسن المتهم برصد تحركات فرج فودة توفي في سجن الوادي الجديد عقب تعرضه للتعذيب على يد أحد المخبرين السريين.
وأفرجت وزارة الداخلية عام 1993 عن عدد من المتهمين هم وليد سعيد ومحمد عبد الرحمن وحسن علي محمود، وفي عام 2003 أفرجت عن جلال عزازي وأشرف عبد الرحيم وباقي المتهمين عدا محمد إبراهيم، الذي تم الإفراج عنه عام 2005، ثم أفرجت عن صبحي أحمد منصور وصفوت عبد الغني في عام 2006 في عهد الرئيس حسني مبارك، ثم أفرج الرئيس المعزول محمد مرسي عن أبو العلا عبد ربه في عام 2013 بعفو رئاسي، والذي أعلن في أكثر من مقابلة تليفزيونية بعدها عدم ندمه على قتل فرج فودة لأنه كافر.
تداعيات اغتيال فرج فودة على الشارع المصري
بعد أسابيع من الاغتيال، ألّف الدكتور عبد الغفار عزيز رئيس ندوة علماء الأزهر كتابا أسماه «من قتل فرج فودة؟» 1992 ختمه بقوله: «إن فرج فودة هو الذي قتل فرج فودة، وإن الدولة قد سهلت له عملية الانتحار، وشجعه عليها المشرفون على مجلة أكتوبر وجريدة الأحرار، وساعده أيضا من نفخ فيه، وقال له أنت أجرأ الكُتّاب وأقدرهم على التنوير والإصلاح».
وهو ما علق عليه الكاتب علي سالم في حفل تأبين فرج فودة الذي أقامته الجمعية المصرية لحقوق الإنسان في نقابة الصحفيين في 25 نوفمبر 1992 قائلا: «إنها المرة الأولى التي يظهر فيها المصريون الفرح لموت إنسان وينشرون ذلك في كتاب».
إصدار بيانات تضامن مع قتلة فودة
ثم عرض الشيخ الغزالي على الدكتور مزروعة أن يصدر مجموعة من العلماء بيانا تضامنيا معه ومع ندوة العلماء، يتيح لهم أن يبدوا ما شاءوا من الآراء دون أن تكون هذه الآراء مدعاة لاتهامهم بالتحريض على القتل، وكان ممن وقعوا على البيان مع الشيخ محمد الغزالي الدكتور محمد عمارة والشيخ الشعراوي، وأعد الدكتور عبد العظيم المطعني الأستاذ بجامعة الأزهر دراسة بعنوان «عقوبة الارتداد عن الدين بين الأدلة الشرعية وشبهات المنكرين»، كما وضع الدكتور مزروعة كتابا بعنوان «أحكام الردة والمرتدين من خلال شهادتي الغزالي ومزروعة».
تصريحات الشيخ الغزالي في حوار تليفزيوني
قال الغزالي: «فرج فودة جاء في أيام عصيبة، أنا أقبل لو إن واحد يقول ما يأتي: أنا ما بحبش الإسلام، طيب خليك في بيتك أو خليك في نفسك، وما تجيش يم الإسلام، وما تهاجمش تعاليم الإسلام، وأفضل كافر لوحدك، ما لناش صلة بك، ما لناش عليك سبيل، لكن إذا جئت عند المسجد وقلت إيه الأذان الصاعد ده؟ دعوا هذه الصيحات المجنونة، لا لزوم لها، لا خير فيها، لا لا لا، أنظر إليك نظرة أخرى، إن أنت تريد هدم هذه الأمة لحساب إسرائيل التي أعادت صحائف التلمود وما فيها من خرافات وأعادت صحائف التوراة وما فيها من أطماع في هذه البلاد، فأقامت دولة باسم إسرائيل، وأنت لا تريد دولة باسم محمد ولكن دولة باسم الله لا تريدها أن تقوم، أنا لا أقبل إن واحد ييجي يقول لي دعوا الصلاة، دعوا الحج، دعوا الصيام، دعوا هذا وذاك، لا لا أقبل هذا، فإذا جاء إنسان وحاول نقلي بالسخرية أو بالقوة إلى هذه الحضارة الجديدة الأوروبية هو خد جانبها القذر ويريد أن يطبقها عندنا ولا يعرف عن جانبها العلمي شيئا».
المناظرات التي أجراها فرج فودة قبل اغتياله
كان لفرج فودة مناظرتان شهيرتان أولها كانت مناظرة معرض القاهرة الدولي للكتاب في 7 يناير 1992 تحت عنوان «مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية»، وكان فرج فودة ضمن جانب أنصار الدولة المدنية مع الدكتور محمد أحمد خلف الله، بينما على الجانب المقابل كان شارك فيها الشيخ محمد الغزالي، والمستشار مأمون الهضيبي مرشد جماعة الإخوان المسلمين، والدكتور محمد عمارة الكاتب الإسلامي، وحضر المناظرة نحو 20 ألف شخص.
المناظرة الثانية كانت في نادي نقابة المهندسين بالإسكندرية يوم 27 يناير 1992 تحت عنوان «مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية»، وشارك فرج فودة ضمن أنصار الدولة المدنية مع الدكتور فؤاد زكريا، بينما كانت جانب انصار الدولة الدينية، الدكتور محمد عمارة، والدكتور محمد سليم العوا، وشارك فيها نحو 4000 شخص.
تابع موقع الجمهور عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع الجمهور عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا
الجمهور، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة المصرية ، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار، الاقتصاد، حوادث وقضايا، تقارير وحوارات، فن، أخبار الرياضة، شئون دولية، منوعات، علوم وتكنولوجيا، خدمات مثل سعر الدولار، سعر الذهب، سعر الفضة، سعر اليورو، سعر العملات الأجنبية، سعر العملات المحلية.
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في سوق العمل؟
-
نعم
-
لا
أكثر الكلمات انتشاراً