الجمعة، 22 نوفمبر 2024

05:29 ص

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

محمد أبو مطر يكتب: قراءة في بيان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية

محمد أبو مطر أستاذ القانون بجامعة الأزهر

محمد أبو مطر أستاذ القانون بجامعة الأزهر

محمد أبو مطر

A A

نص بيان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية للدائرة التمهيدية لاستصدار مذكرات اعتقال ضد قادة الاحتلال، وإن يعد خطوة هامة وتاريخية من ناحية اخضاع قادة إسرائيل للمحاسبة والملاحقة الجنائية الدولية على ما يتركب من جرائم ضد الشعب الفلسطيني، وهو ما يعتبر نقطة تحول في اطار الاشتباك القانوني والقضائي مع الاحتلال على الصعيد الدولي، حيث أصبح هذا الاحتلال ضمن نطاق المسائلة والملاحقة الجنائية الدولية، وهو ما عبرت عنه أيضا بعض الدول الاوربية التي أكدت على التزامها بقرار المحكمة الجنائية بشأن اعتقال قادة الاحتلال في حال تواجدهم على اقليمها، إلا أن بيان المدعي العام وبغض النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا مع حركة حماس، يشكل سابقة تاريخية من ناحية أخرى وهي إخضاع أفعال المقاومة لشعب خاضع للاحتلال ضمن نطاق التجريم والعمل على تجريد الشعب الفلسطيني كشعب خاضع للاحتلال من حقه في المقاومة. 

ويتضح ذلك من خلال ما رود في نص البيان:-

- فمن ناحية التوصيف القانوني في بيان المدعي العام للمحكمة، اعتبر أن المسألة تتعلق بنزاع مسلح دولي بين دولة إسرائيل ودولة فلسطين، ونزاع مسلح غير دولي بين إسرائيل وحركة حماس، متجاهلا أن المسألة تتعلق بوجود احتلال وليس مجرد نزاع وأن الجرائم المرتكبة هي ضد الشعب الفلسطيني وتستهدف وجوده وليست ضد حركة حماس كما يروج له الاحتلال، وهو ما يعكس انسجام البيان مع ما يطرحه الاحتلال مع تبني البيان لنزعة سياسية لا تخلوا من ابراز حركة حماس كحركة موازية للجماعية السياسية الفلسطينية (الشعب الفلسطيني) الذي يعيش في إطار دولة خاضعة للاحتلال.

- من الناحية الشكلية في بيان المدعي العام تم تسبيق أوامر الاعتقال وتصدير التهم ضد قادة حركة حماس كجزء من شعب خاضع للاحتلال قبل قادة الاحتلال الذي يمارس أبشع الجرائم الدولية بشكل يومي على مدار ثمانية أشهر، كما وجه الاتهام ضد ثلاثة من قادة حماس مقابل اثنين من قادة الاحتلال، رغم وجود ادلة وتصريحات تدين العديد من القادة العسكريين والسياسيين ووزراء في حكومة الاحتلال بشأن إصدار الأوامر والدعوة لارتكاب جرائم دولية ضد الشعب الفلسطيني والمشاركة في ارتكابها. 

- في التعرض للجرائم المنسوبة لقادة الاحتلال اعترف لدولة الاحتلال بحقها في الدفاع عن سكانها، لكن لم يعترف بوضع الاحتلال للأراضي الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال في تنكر واضح لهذا الحق وما اقرته محكمة العدل الدولية في رأيها القانوني تجاه جدار الفصل العنصري بشأن الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية وما يترتب عليه من حقوق للشعب الفلسطيني، وما أقرته أيضا قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ومختلف قرارات الشرعية الدولية. 

- في إطار تسنيد الاتهام لقادة حماس تم الاسهاب في تصنيف التهم واعتمد بشكل أساسي على اعترافات حسب ما ادعى في بيانه لفلسطينيين وهم بالأساس موجودين في سجون التعذيب والتنكيل الإسرائيلية وهو ما يتعارض فكرة صحة الاعتراف ووزنه ضمن الأدلة في مثل هذه الجرائم وفي ظل ما يمارس من تعذيب وتنكيل واضح ضد الفلسطينيين في سجون الاحتلال في مقابل ذلك لم يسهب في تصنيف التهم الموجهة لقادة الاحتلال وسرد وتقديم الأدلة رغم قطعيتها وتوافرها وتعددها.

- في تحديده للتهم المنسوبة لقادة الاحتلال ركز على الجانب الإنساني في مسألة عدم وصول المساعدات والتجويع أي أنسنة نطاق الجرائم المنسوبة للاحتلال، ولم يعطي ذات الأهمية للجرائم الوحشية الأخرى التي ترتكب بشكل يومي من قتل وانهاء كافة مقومات الوجود الفلسطيني وتدمير بقاء الشعب الفلسطيني كجماعة سياسية لدولة خاضعة تحت للاحتلال. 

- لم يأتي في التهم المنسوبة لقادة الاحتلال على جريمة الإبادة الجماعية رغم ان ما قدم من أدلة حول ارتكابها وتوافر أركانها لا تقل من حيث قيمتها وقودتها كأدلة للإثبات عن الجرائم الأخرى، متجاهلا موقف محكمة العدل الدولية التي رأت ان هناك معقولية لاتهام إسرائيل بجريمة الإبادة في ضوء ما قدم من ادلة وهي معقولية دفعت المحكمة لاستصدار قرارها بشأن التدابير الاحترازية التي يجب على إسرائيل اتخاذها.

- إن قرار الاعتقال الذي سيصدر عن الدائرة التمهيدية مرتبط بمدى معقولية الاتهام والأدلة التي ستقدم من المدعي العام، وهذا يعني ليس بالضرورة ان تقتنع الدائرة التمهيدية بتوجيه بالاتهام للجميع، وبالتالي فقد تصدر قرارات او مذكرات اعتقال ضد اشخاص دون اخرين. 

لكن رغم هذه المحاولات التي بات من الواضح مدى تأثرها بالمصالح والتوازنات السياسية الدولية التي تحد من استقلالية الجهاز القضائي الدولي، إلا أنها لن تنال من الحق المشروع للشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، كحق مشروع وثابت عرفا وقانونا ويفوق في قيمته القانونية أي قرار قد يصدر عن المحكمة وأجهزتها

وهنا وجب التنويه عندما تعالت الأصوات وطالبت وضغطت بعض قيادات الأحزاب ومؤسسات المجتمع الفلسطيني على القيادة الفلسطينية للانضمام والتحرك باتجاه المحكمة الجنائية الدولية، لم تكن تدرك هذه القيادات أن هذا التوجه سلاح ذو حدين ويمكن توظيفه ضد قادة المقاومة الفلسطينية في ظل طريقة عمل المحكمة والتوازنات الدولية وتأثيرها عليها.

search