وزير الشئون الدينية التونسي :الإفتاء أمرٌ عظيم الأهمية شديد الحساسية
وزير الشئون الدينية التونسي خلال لقائه مع المفتي
محمد الأزهري
قال الدكتور إبراهيم الشائبي، وزير الشئون الدينية بتونس: إن المكتبة الإسلامية تزخر بكتب نفيسة أشبعت "الفتوى" بحثًا موسوعيًّا عميقًا ودقيقًا، وعالجت مباحثها في مختلف جوانبها وصورها وجزئياتها...وذلك في مستواها النظري فقط دون الحديث عن الكتب الجامعة للفتاوى العملية، إذ لا خلاف بين المسلمين عالميهم وعامييهم في أن الإفتاء أمرٌ عظيم الأهمية شديد الحساسية، وأن من يتصدى له جليل المكانة جسيم الأمانة ثقيل المسؤولية، كيف لا وهو توقيع بالنيابة عن الله، يقول النووي: "اعْلَمْ أَن الْإِفْتَاءَ عَظِيمُ الْخَطَرِ كَبِيرُ الْمَوْقِعِ كَثِيرُ الْفَضْلِ لِأَن الْمُفْتِيَ وَارِثُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عليهم وقائم بفرض الكفاية لكنه مُعَرضٌ لِلْخَطَأِ وَلِهَذَا قَالُوا الْمُفْتِي مُوقِعٌ عَنْ اللهِ تَعَالَى، وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: "العالم بين الله تعالى وخلقه فينظر كَيْفَ يَدْخُلُ بَيْنَهُمْ".
جاء ذلك خلال كلمته اليوم ، في فعاليات جلسة الوفود الرسمية بالمؤتمر العالمي الثامن لدار الإفتاء المصرية، المنعقد تحت عنوان "الفتوى وتحديات الألفية الثالثة"، مشيرًا إلى أن المؤتمر فرصة عظيمة للمشرفين على المؤسسات الدينية والإفتائية على اختلاف مذاهبهم وتنوع مدارسهم للتباحث والتثاقف والتضايف في القضايا المشتركة، بما يُسهم في بلورة فتاوى معاصرة وخطاب ديني مستنير يتماهى مع العصر، قادر على مجابهة تحديات الألفية الثالثة، والتأسيس لعلاقة علمية تبادلية بين المشاركين في هذا المؤتمر بما يثمر فهمًا أعمق ورؤية أرحب للقضايا الراهنة.
وأعرب الدكتور إبراهيم الشائبي، عن سعادته بالمشاركة في فعاليات المؤتمر، مؤكدًا أن الاتجاه نحو فتوى مواجِهة للتحديات مواكِبة للمستجدات، لا يُنال إلا بالتسلح بالاعتدال والسماحة ورفع الحرج ونبذ الغلو والتطرف، وإحياء ميراثنا العلمي والثقافي وحماية مرجعيتنا الوسطية لأنها ركن ركين وأساس مكين ودرع متين في حماية الأمة.
كما أشار إلى أن هذا الطرح يستمد أهميته من منزلة الفتوى ومكانة المتصدين لها في حياة المسلمين، فقد لقيت الفُتيا من الاهتمام والخدمة والعناية ما لم يلقه غيرها من الموضوعات الشرعية، وما كثرة المصنفات فيها وتعدد أبوابها إلا برهان على خطورتها وقوة حضورها في حياة المسلمين علمائهم وعامتهم بوصفهم طرفَي العملية الإفتائية (مفتٍ/ مستفتٍ)، فضلًا عن أن الشغف بأمر الفتوى قد بلغ عند المتأخرين حد الاختلاف في أفضلية المادة التي ستكتب بها مدادًا أم حبرًا، خشيةً على نصها من أن يُمحى بالحك، وتكلموا حتى في وصف الرقعة التي تكتب عليها الفتوى.
المفتي موقع عن الله
وأشارالنظر إلى أن ذلك المنحى أكده ابن القيم في إشارة رمزية لجلالة وظيفة المفتي المتمثلة في التوقيع عن الله ورسوله قائلًا: "فَخَطَرُ الْمُفْتِي عَظِيمٌ، فَإِنهُ مُوَقعٌ عَنْ اللهِ وَرَسُولِهِ، زَاعِمٌ أَن اللهَ أَمَرَ بِكَذَا وَحَرمَ كَذَا أَوْ أَوْجَبَ كَذَا"، ومن ثم لا يخفى عن جليل مقامكم أنه وضع في الإفتاء مصنفًا جامعًا سماه: "إعلام الموقعين عن رب العالمين" وهذا الكتاب معدود من أمهات الكتب المعتنية بمسألة الإفتاء لما حواه من تفصيلات وتأصيلات، وهو خير ما كُتب في تأصيل الإفتاء وَمَا يَتَعَلقُ بِه مِنَ الْمَسَائِلِ أُصُولًا وَفُرُوعًا، فهو المنهل والعمدة لكل ما كُتب بعده في الغرض. وقال فيه: "وَأَولُ مَنْ قَامَ بِهَذَا الْمَنْصِبِ الشرِيفِ سَيدُ الْمُرْسَلِينَ، وَإِمَامُ الْمُتقِينَ، وَخَاتَمُ النبِيينَ، عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِهِ، وَسَفِيرُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ؛ فَكَانَ يُفْتِي عَنْ اللهِ بِوَحْيِهِ الْمُبِينِ".
وأضاف: رغم أن الفتيا قد لقيت من الاهتمام والخدمة والعناية ما لم يلقه غيرها من الموضوعات الشرعية، وأن المكتبة الإسلامية زاخرة بكتب نفيسة للقدامى والمعاصرين، إلا أن رسالة هذا المؤتمر وأهدافه هي أعمق ترتيبًا للجزئيات وأدق فرزًا للمُتداخِلات وأكثر انفتاحًا على المستجدات وأكبر استيعابًا للمتغيرات وأتم استعدادًا لمواجهة التحديات، ولعل تلك التحديات المتشعبة قد أضحت من أَوْلى ما ينبغي استحضاره في ذهن المفتي المعاصر، لا سيما أن العصر الذي نحن فيه أضحى مثقلًا بالمحدثات مليئًا بالمستجدات كثير التموجات غزير الطفرات، فلا يستقيم أن يقابل بفتاوى تمكن منها التقليد حتى أصبحت في صد لكل تجديد رابضة في دائرة الموروثات لم تبرحها بعد، فأضحت عاجزة عن فهم واقع المجتمعات المسلمة.
أخبار ذات صلة
هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في سوق العمل؟
-
نعم
-
لا
أكثر الكلمات انتشاراً