من هانم بقصر إلى شحاتة على الرصيف.. قصة أغنى راقصة في مصر
شفيقة القبطية
ندى يوسف
«يا سبحان مغير الأحوال بعدما كانت هانم في قصر تحولت لشحاتة على الرصيف».. بطلة حكايتنا هي أشهر راقصة في القرن التاسع عشر، وكانت ساحرة كل قلوب الرجال، ومعظم محبيها كانوا من الطبقة الراقية من حكام وأمراء، حتى حازت بجدارة على لقب حسناء القرن التاسع عشر، وعندما ذاع صيتها كثيرًا وأزداد عليها الطلب في أهم المناسبات وحفلات الطبقة الأرستقراطية، أصبحت من أغنى أغنياء مصر في ذلك الوقت، لدرجة أنها من كثرة الثراء التي كانت تنعم به أسقت الخيول الشمبانيا، كما جعل أحد أعيان البلد من حذائها كأس يتلذذ من خلاله بشرب الخمر، فهو كل آماله أن ينل رضا شفيقة لأنها كان مهوسًا بها، فهي الراقصة شفيقة القبطية.
وبعد الثراء الفاحش وصراع الأمراء والأعيان على شفيقة القبطية، أخذ العمر كل ذلك منها وتحولت حياتها إلى مأساة انتهت بوفاتها وحيدة في حجرة بسيطة ليست ملكها، وأصبحت عبرة لكل من ينسى أن الحياة فانية وفي النهاية سنرحل لكن ذكرانا الطيبة ستبقى، ونرصد لكم في السطور التالية مأساة أغنى راقصة في مصر وسر شرب خيولها الشمبانيا.
الرقص ينتصر على بنت شبرا
ولدت شفيقة القبطية عام 1851 في شبرا، وكانت حياتها عادية مثل باقي الفتيات، ولكنها كانت تختلف عنهن في جمالها، الذي كان يسحر كل رجل تقع عيناه عليها، لدرجة أنها لقبت بـ «أجمل بنت في شبرا»، وفي يوم وهي ذاهبة إلى كنيسة «سانت تريزا»، رآها شاب كان يعمل «كمسري»، وخطفت قلبه من النظرة الأولى، وقرر أن يتزوج منها، وأهل شفيقة واقفوا بالرغم أنها كانت تبلغ من العمر 16 عامًا فقط.
وتمر السنين والأيام وتحضر شفيقة حفل زفاف جارتها، الذي غير حياتها بالكامل وكان السبب وراء خسارتها لأهلها، وحينها كانت الراقصة «شوق» صاحبة أعلى أجر وشهرة في ذلك الوقت، بعد أن أحيت حفل افتتاح قناة السويس أمام الخديوي إسماعيل، وتميز هذا الزمن بفصل النساء عن الرجال في الأعراس، حتى يأخذن الفتيات راحتهن في الرقص والغناء، ورقصت شفيقة بكل أريحية، ولفتت أنظار الجميع بمن فيهم «شوق»، التي أثنت على رقصها.
ولم تكتف «شوق» بذلك بل عرضت على شفيقة أن تعلمها الرقص باحترافية لأنها لمحت بها الموهبة، وولد حلم جديد في عيون شفيقة حينها، ولكن هذا لم يلقى إعجاب والدتها، التي أخذت شفيقة فورًا وانصرفت من الحفل، حتى تحمي ابنتها من هذا الطريق.
ولكن شفيقة القبطية كان لها رأي آخر، فقد اقتنعت بكلام «شوق»، وظلت تتردد على منزلها في شارع محمد على حتى تعلمها الرقص وتطور من موهبتها، وكانت شفيقة تلميذة نجيبة سريعة التعلم، وبعد أن أصبحت على مستوى عالٍ في الرقص، قررت شفيقة أن تترك زوجها وأهلها وخرجت حتى تشق طريقها بعيدًا عنهما ولن تعد مرة أخرى، لذا تبرأ عائلتها منها.
من شوارع شبرا إلى قصور الأمراء والرقص على الذهب
بعد وفاة «شوق» أصبح الطريق خاليًا أما شفيقة، وبدأت مشوارها الاحترافي لتصبح أشهر راقصة في مصر، حتى أن صيتها ذاع خارج البلاد، وهي من أدخلت مفهوم «الميجا ستار» إلى عالم المجد والشهرة، خاصةً أنها لم تكن راقصة عادية بل طورت كثيرًا في الرقص الشرقي، وأضافت عليه رقصات جديدة.
اكتسبت شفيقة شهرة واسعة، وازداد جمهورها ومحبيها، وكانوا يزينون الأرضية التي ترقص عليها بالجنيهات الذهب والفضة، لدرجة أن ملامح الصالة لم تكن واضحة من كثرة النقود والذهب الذي كان يعبر عن محبتهم لها.
فُتح لخيولها زجاجات الشمبانيا
معجبو شفيقة القبطية كانوا بالملايين ومن أثرياء البلد في ذلك الوقت، لدرجة أنه كان هناك أحد الأعيان مهوسًا بها، وكان يترجاها كل ليلة حتى يجعل من حذائها كأسًا يتلذذ من خلاله بشرب الخمر، ووصل جنونه إلى حد شرب خيول عربة شفيقة الشمبانيا، وكان يفتح يوميًا لها زجاجات الخمر والشمبانيا إرضاءً لها.
عاشت شفيقة حياة الثراء والترف، وكانت تمتلك عشرات الخيول العربية الأصيلة، فاقتنت ثلاث عربات حنطور مثل التي يركبها الخديوي وأولاده الأمراء والأميرات، وحاشية الخدام كانوا من إيطاليا.
ولكنها لم تنس أبدًا الفقراء والمحتاجين، وكانت تساعدهم وتعطيهم الأموال، لدرجة أنهم أطلقوا عليها «روبين هود الفقراء في مصر»، إلى جانب إنقاذها للعديد من المتعثرين ماليًا وتسديدها لديونهم.
نهاية شفيق القبطية وتحولها إلى شحاتة
كانت نهاية شفيقة القبطية مثيرة للاهتمام والدهشة مثل حياتها، فبعد أن كانت أغنى راقصة في مصر، غدر بها العمر وملامح الكبر، وتحولت إلى راقصة منبوذة وقل عليها الطلب مع ظهور راقصات شابات خطفن الأنظار عنها.
وحاولت شفيقة أن تهرب من الوحدة وتكسب اهتمام الناس بمالها، فلجأت إلى الشباب وأغرتهم بثروتها حتى تشتري إعجابهم وكلامهم المزين بالنفاق والكذب من أجل المال، وظلت تبعثر في ثروتها هنا وهناك حتى خسرت نقودها، وأصبحت من الفقراء وعادت مرة أخرى من حيث ما جاءت إلى حواري شبرا.
واتخذت من التسول طريقًا لكسب قوتها من طعام واحتياجاتها الأساسية، وفي مرة قابلها سيد درويش بالصدفة، وقالت له «أنا مش عايزة فلوس أنا نفسي أدوق السمك»، وظل يبكي على الحال الذي وصلت له شفيقة صاحبة الشهرة والمجد والثروة الكبيرة.
وانتهى بها الحال في شقة بسيطة بحارة شعبية، ولم تفرش سوى حصير، وأصبح جسدها نحيلا ضعيفا من قلة الطعام، وأشفق عليها صاحب المنزل وحاول أن يعالجها، لكن جاء قدر الله تعالى وتوفيت شفيقة القبطية، ولم يمشِ فى جنازتها إلا اثنان، هما زوجها الكمسرى الذى بدأت نجوميتها تلمع بعد زواجها منه مباشرة، والذى كان دائم المطاردة لها بسبب الترف والثروة الهائلة التى تحصلت عليها شفيقة من عملها كراقصة، والآخر عربجى الكارو الذى كان يحميها من زوجها بعد انفصالها عنه.
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في سوق العمل؟
-
نعم
-
لا
أكثر الكلمات انتشاراً