الفقراء مقابل التصنيف
النائب مصطفى سالم
هل أتاك حديثهم، يفرحون لتقارير الهيئات الدولية إذا خفضت التصنيف الائتماني للاقتصاد المصري بالنهار؛ ثم يتحدثون عن الفقراء وضرورة عدم الخضوع لشروط هذه المؤسسات بالليل؛ فحينما قررت إحدى هذه المؤسسات تخفيض التصنيف الائتماني لمصر؛ في خطوة تفسيرها الوحيد هو عقوبة على عدم التزام مصر بقرار تحرير سعر الصرف مجددا، وفي صفقة واضحة وانحياز أعمى، يأتي قرار خفض التصنيف لمصر ليضع الإدارة المصرية في تحد جديد، يمكن أن نسميه "الفقراء في مقابل التصنيف.. بمن نضحي وعلي من نجور؟".
لكن الإدارة المصرية اختارت انحيازها، ضحت بالتصنيف وجارت على إجراء كان من الممكن أن يحسن كثير من موقف مصر الاقتصادي الدولي، كان لديها فرصة عظيمة للحصول على سمعة اقتصادية كبيرة، تضعها في تقارير تشيد وتؤكد تحسن الوضع الاقتصادي المصري خاصة أن تقديرات المنظمات الاقتصادية الدولية تشير إلى أن قرار تحرير سعر الصرف مجددا، سيعيد رفع احتياطيات النقد الأجنبي ويخفف الضغوط عن الدولة، وهو أمر تسعى له كل الدول التي تعاني مثل مصر... المفاجأة أن الإدارة المصرية رفضت وتحفظت ورتبت الأولويات.. المواطن أول، ثم يأتي بعد هذا أي تحسن.
وللحق فإن الرفض المصري ليس رفضا عنتريا ولا ممهورا بصبغة دفاع عن المواطن فحسب، بل هو يستند على حقائق اقتصادية وتحديات استطاعت الإدارة المصرية تجاوزها، فمن ثم أصبح لديها ما تتكئ عليه في رفض تحرير سعر الصرف مجددا، إذ حققت مصر ارتفاعا في الاحتياطي النقدي للشهر العاشر على التوالي، ليصل إلى 34 مليار دولار، دون أن تفرط في برامج الحماية الاجتماعية المقدمة للمواطن، بل على العكس تتوسع في شرائح الحماية الاجتماعية وفي المقدم لهم من خدمات، وتحافظ أيضا على استمرار ارتفاع في الاحتياطي النقدي، في معادلة صعبة اجتازتها بنجاح، ما شجع الإدارة المصرية على التمسك بموقفها، ولسان حالها يقول: ما الذي يضيركم إذا حافظنا على النمو الاقتصادي والتزمنا بواجباتنا تجاه المواطن في كل فئات الدعم؟.
وحتى الآن لم تقدم المنظمات الاقتصادية الداعية لتحرير سعر الصرف في مصر مقابل عدم خفض تصنيفها الائتماني ما يبرر هذا الإصرار، يرون أن المواطن المصري لا زال لديه القدرة على تحمل مزيد من الضغوط الاقتصادية في ظل وضع اقتصادي مضطرب في العالم كله، فيما يقف الرئيس السيسي على رأس الإدارة المصرية مدافعا عن المواطن مؤكدا أن مزيدا من تحرير سعر الصرف سيضر بالمواطن ولن ينفع أي أضرار بالمواطن في تنمية أي اقتصاد، لأن المواطنين هم وقود الدولة الحقيقي وثروتها التي لا تنضب، وهو ما ظهر جليا في خفض التصنيف الائتماني لمصر من قبل مؤسسة ستاندرد أندي بورز، والذي صدر في مارس الماضي، فلم تتأثر سندات الحكومة المصرية سلبا، وتم بيع طروحات للبنك المركزي المصري في 5 يونيو وأذون خزانة بلغت قيمتها 554 مليون دولار، بمتوسط عائد 5.14 %.
ورغم أن قرار خفض التصنيف الائتماني لمصر يرفع من أسعار فوائد القروض التي حصلت عليها بالفعل، أو ربما تحصل عليها مستقبلا.. لكن ثمة أمل في الاقتصاد يظهر في تأكيد الإدارة المصرية أنها لن تستسلم لما هو مفروض عليها، وأنها ستظل تعمل على توفير الحماية للمواطن، وأيضا دعم الاقتصاد بحيث تستمر أسهمه في الصعود والحفاظ على ما حققه بالفعل في الفترة الأخيرة، خاصة أن تجارب كل الدول التي تم تخفيض تصنيفها الائتماني خلال العامين الماضيين من قبل موديز والتي وصلت إلى 14 دولة من عينة الأرجنتين؛ البحرين؛ بنجلاديش؛ السيلفادور؛ غانا؛ هندروس؛ المجر؛ لبنان؛ الجبل الأسود؛ موزمبيق؛ نيجيريا؛ باكستان؛ سريلانكاو سورينام؛ تشير إلى أن ثمة متحكما في اقتصاديات هذه الدول.
ويظل خفض التصنيف الائتماني لمصر مؤشرا سلبيا في كل تعليقات الخبراء والاقتصاديين، لكنه مقارنة بوضع الصعود الاقتصادي في الاحتياطي النقدي المصري، ومقارنة بالمقابل الذي تعلي فيه الدولة مصلحة المواطن على مصلحتها القريبة، يظل القرار هو الأشجع والأقرب إلى قلوب المصريين، فلا صوت يعلو فوق صوت "المصريين".
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في سوق العمل؟
-
نعم
-
لا
أكثر الكلمات انتشاراً