الجمعة، 22 نوفمبر 2024

02:07 ص

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

الحلقة الحادية عشر

شهادات وذكريات يرويها مصطفى بكرى لـ« الجمهور»: مصر الفتاة وكشف المستور

مصطفى بكري

مصطفى بكري

A A


- المعارضة تتوحد والوفد يعتذر وإبراهيم شكري كان فى المقدمة


- كيف استقبلت بلدتى نبأ إغلاق مصر الفتاة؟


- نقابة الصحفيين التزمت الصمت ونقابة المحامين فتحت لنا الأبواب وسمير رجب أرسل بمن حاولوا إفشال المؤتمر


- النيابة تحقق معنا لساعات ومحاولة لتوريطنا باستخدام العنف


- محكمة القضاء الإداري أصدرت العديد من الأحكام لصالحنا إلا أن لجنة الأحزاب رفضت التنفيذ


هذه ليست قصة حياة، بل شهادة حية على مرحلة تاريخية مهمة، عشت فصولها، انتصاراتها وانكساراتها، حلوها ومرها، اقتربت من صناع هذه الأحداث أحيانًا، وكنت ضحية لعنفوانهم فى أحيان أخرى، معارك عديدة دخلتها، بعضها أودى بي إلى السجون، لم أنكسر، ولم أتراجع عن ثوابتي، وقناعاتى.

أروى هذه الشهادات التي ينشرها موقع "الجمهور" بصدق وموضوعية، بعض شهودها أحياء، والبعض رحل إلى الدار الآخرة، لكن التاريخ ووقائعه لا تنسى، ولا يمكن القفز عليها، وتزوير أحداثها.

فى هذه الحلقات التي ينشرها موقع "الجمهور" يوم "الجمعة" من كل أسبوع، يروى الكاتب والبرلماني مصطفى بكرى شهادته عن أزمات وأحداث كان شاهدًا عليها خلال فترات حكم الرئيس السادات والرئيس مبارك والمشير طنطاوي ومرسى والرئيس السيسي.

ظلت قضية إغلاق مصر الفتاة تسيطر على المشهد الصحفي والجماهيري، لم نفقد الأمل، كنت أعرف أن لجنة الأحزاب قد اتخذت قرارها وأنها لن تسمح بعودة الحزب والصحيفة إلا بناء على تعليمات حكومية.. ظللت أتابع الأمر عن كثب، كنت اشعر بالقهر، لكننى لم أسع إلى تصدير حالة الإحباط إلى زملائى.

 

مؤتمر صحفي عاجل


فى هذا اليوم كانت الساعة قد بلغت نحو الواحدة ظهرًا.. عقدت جلسة مع المحررين نتدارس فيها الوضع، وبعد قليل جاء الأستاذ على الدين صالح وشارك فى هذا الاجتماع، ثم سرعان ما دعانى إلى اجتماع بجضور محمود المليجى ومحمود بكرى لتدارس الوضع. وخلال الاجتماع إتفقنا على إجراء الاتصالات مع زعماء أحزاب المعارضة تمهيدًا لعقد مؤتمر صحفى عاجل لمواجهة هذا الاعتداء على الحزب وعلى التجربة الحزبية كلها، وعرض الأستاذ على عقد الاجتماع بمقر حزب الأحرار فوافقنا وأجرى اتصالاته برئيس الحزب مصطفى كامل مراد الذى وافق على ذلك وتحدد للاجتماع صباح الاثنين 25/ 5/ 1992.

ندوه بنقابة الصحفيين رفضا لاغتيال مصر الفتاه ، يتصدرها مصطفي بكري ومحمد عبد القدوس ومجدي مهنا


وافق على المشاركة فى المؤتمر زعماء وممثلو أحزاب المعارضة جميعًا عدا حزبى الوفد والأمة. فقد أبلغنى ياسين سراج الدين الذى وافق على المشاركة فى الاجتماع أن شقيقه فؤاد سراج الدين اعترض على المشاركة تحت زعم أن الوفد لا يحبذ التدخل فى الشئون الداخلية للأحزاب.


أما أحمد الصباحى فقد تهرب كعادته، فكفانا بذلك من الإحراج الذى كان يمكن أن تسببه لنا مشاركته فى هذا الاجتماع، لكن الغريب أنه لم يخجل عندما قال إنه خرج فى قرعة التجديد النصفى لمجلس الشورى وأنه يتخوف من عدم تعيينه مرة أخرى إذا وقف إلى جوارنا. واعتذر الأستاذ خالد محى الدين، وأرسل الأستاذ عبد الحميد الشيخ بدلًا منه، أما الأستاذ ضياء الدين داود فلم ننجح فى العثور عليه وإن كان قد أبلغنا الحزب بنبأ المشاركة فى المؤتمر.
وفى يوم الاثنين 25 مايو 1992 صحوت مبكرًا وكأنى سأذهب إلى باعة الصحف كالعادة لأتابع أخبار توزيع مصر الفتاة.. فقد كانت هذه عادتى منذ صدور الصحيفة وكان أشد ما يسعدنى أن أسمع من بعض البائعين أن الصحيفة قد نفذت ولم تكن الساعة قد بلغت التاسعة صباحًا بعد.
 

فى هذا اليوم ذهبت لأتابع الموقف لدى بعض الباعة.. وكانت حسرتى تتزايد كلما سمعت كلمات السخط تخرج من أفواه المواطنين العاديين عندما يرد عليهم الباعة بأن الصحيفة لم تصدر اليوم وأن هناك أنباء عن إغلاقها. أما باعة الصحف فراحوا بدورهم يصبون جام غضبهم على قرار إغلاق الصحيفة التى كانت تعنى بالنسبة لهم ما هو أكبر من الأرباح التى كانوا يحصلون عليها. إن كثيرًا من البائعين كانوا يتحدثون عن الصحيفة بإعجاب وكانوا يقرأونها من الصفحة الأولى حتى الأخيرة، ولهذا كثيرا ما كنت ألاحظ أنهم يهتمون بطريقة عرضها أكثر من أية صحيفة أخرى، حتى أن صاحب كشك فى شارع القصر العينى كان يتعمد أن يغطى غالبية واجهات الكشك بالصحيفة وكأنه تحول إلى معلن عنها أكثر من كونه بائعًا.

 وصلت إلى مكتبى فى العاشرة صباحًا و وجدت عددا كبيرا من المحررين فى الانتظار وذهبنا سويًا سيرًا على الأقدام من ميدان التحرير إلى مقر حزب الأحرار بشارع الجمهورية، وكان المحررون يستمعون بأنفسهم إلى التعليقات، بينما كان زميلى عماد الدين حسين يحاول تهدئة الخواطر بخفة دمه المعهودة، وفى الحادية عشرة صباحًا بدأ المؤتمر الصحفى فى حزب الأحرار بحضور على الدين صالح وإبراهيم شكرى رئيس حزب العمل ود.حلمى مراد الأمين العام لحزب العمل، ومصطفى كامل مراد رئيس حزب الأحرار وجمال ربيع رئيس حزب مصر وأحمد حسن ممثلًا عن الحزب الناصرى وعبدالحميد الشيخ ممثلًا عن التجمع واحمد سيف الإسلام ممثلًا عن الاخوان المسلمين واحمد شرف ممثلا عن الماركسين وسامح عاشور ممثلا عن نقابة المحامين ومحمد عبد القدوس وصلاح عيسى ومجدى مهنا عن نقابة الصحفيين كما حضر د. يسرى العزب عن اتحاد الكتاب. 

مصطفي بكري
 متحدثا أمام المؤتمر


وتحدث مصطفى كامل مراد الذى قال فى بداية المؤتمر: إن مصطفى كمال حلمى رئيس مجلس الشورى اتصل به هاتفيًا ليبلغه رسميًا بقرار لجنة شئون الأحزاب كما أنه اتصل بالمهندس إبراهيم شكرى ليبلغه بالقرار.


وتحدث ممثلو الأحزاب والنقابات ليعلنوا إدانتهم للمؤامرة و تضامنهم مع القيادة الشرعية للحزب، وقد كان على الدين صالح رائعًا ومتألقًا فى شرحه لأبعاد المؤامرة، وقد بعث سمير رجب فى هذا الاجتماع ببعض تابعيه من الصحفيين حيث حاول أحدهم ويدعى (ع.س) إثارة مشكلة داخل المؤتمر، إلا أن الحاضرين تصدوا له بشده فخرج منسحبًا بعد أن حاول الاحتكاك ببعض الزملاء وكأنه يقول لهم «اضربونى» حتى يرضى عنى كاتب السلطة، إلا أننا طلبنا من الزملاء تفويت الفرصة عليه، وكانت هناك معلومات قد نقلت إلينا من المؤسسة التى يترأسها سمير رجب تشير إلى أن هناك بعض الصحفيين سيحاولون تخريب المؤتمر من خلال تعمد إهانة رؤساء احزاب المعارضة وهو ما استدعى الحزم فى مواجهة هؤلاء منذ البداية.

انتهى المؤتمر الصحفى فى نحو الثانية ظهرًا، وفى أعقابه عقد لقاء خاص لقادة المعارضة وممثلى بعض النقابات التى شاركت بمكتب مصطفى مراد، وطرحت فى الاجتماع فكرة عقد مؤتمر جماهيرى للتضامن مع مصر الفتاة، ولكن مشكلة المكان بقيت عقبة. وهنا اقترح الزميل عبدالحميد الشيخ عضو الأمانة العامة لحزب التجمع قاعة الحزب فى طلعت حرب مكانًا لعقد المؤتمر، وعندما طلبنا منه التشاور مع قيادة الحزب أكد أنه لن يكون هناك حائل أمام عقد المؤتمر. ولكن فى اليوم التالى علمنا أن قيادة التجمع رفضت عقد المؤتمر بقاعة الحزب، لم نتوقف طويلًا أمام ذلك.. فقد كنت اتوقع هذا الموقف، وعلى الفور اقترح على الدين صالح عقد المؤتمر بنقابة المحامين وأجرى اتصالات مع أحمد الخواجة نقيب المحامين وسامح عاشور رئيس لجنة الحريات بالنقابة وتمت الموافقة على استضافة المؤتمر الذى حدد له يوم الأحد 7/ 6/ 1992.

اجتماعات لا تتوقف
 

 
الجرح النازف


عدت إلى المنزل مساء الإثنين مهمومًا بغياب مصر الفتاة عن الساحة ورغم كل الكلمات التي استمعنا إليها عن الثمن الذى يجب أن يدفع وعن أن الغياب دليل القوة.. إلخ إلا أن اختفاء الصحيفة سبب لى وللناس جرحًا لايزال ينزف حتى اليوم. وفى المساء اتصل بى شقيقى أحمد من بلدتى المعنى بمحافظة قنا وحكى لى كيف استقبل الناس فى قنا غياب مصر الفتاة عن الأسواق، كان الناس فى أشد حالات القلق والتوتر، وكانت اللعنات عالية مدوية فقد كنا نوزع فى قنا وحدها ما يزيد على السبعة آلاف نسخة أسبوعيًا دون أية مرتجعات إلا فيما ندر.
وظل أخى على مدى أكثر من نصف ساعة يحكى لى مشاعر الناس البسطاء فى قريتى الذين هالهم ما حدث وشعروا أنهم جميعا فى خصومة شديدة مع لجنة الأحزاب وكل من عاون فى تمرير هذه المؤامرة الدنيئة.
كان اليوم 30/ 5/ 1992 موعدنا مع القضاء، وقد استبشرت خيرًا عندما عرفت أن القاضى المعنى بنظر قضية مصر الفتاة هو المستشار طارق البشرى، فقد اكتسب هذا الرجل سمعة حسنة لدى أوساط الرأى العام لاحترامه للعدل والقانون كما أنه كاتب ومفكر كبير وملم بالتاريخ المصرى الحديث وله مؤلفاته العديدة فى ذلك.
فى نحو التاسعة صباحًا كنت أنا وشقيقى محمود أمام مجلس الدولة، حيث تنظر القضية فى المبنى الكائن على النيل بجوار منزل الرئيس الراحل أنور السادات. وكان هناك الأستاذ على الدين صالح والأستاذ محمود المليجى وعدد آخر من قيادات الحزب والصحفيين، لكن فرحتى كانت عظيمة عندما حضر الأساتذة عبدالحليم رمضان وسامح عاشور وحامد الأزهرى، وعدد آخر من المحامين الذين ترافعوا فى القضية من بينهم عباس المصرى ومصطفى فودة وأنس زهرة - كما تولى الأستاذ على الدين صالح شرح أبعاد القضية أمام المحكمة بصوت جهورى متحمس كعادته لم تشبه رنة ضعف، بل وصف المؤامرة بأوصافها، كما تحدث أيضًا الأستاذ محمود المليجى، وبعد المرافعة إنتظرنا سماع الحكم فى الواحدة والنصف ظهرًا فأعلن القاضى حجز القضية للحكم بعد شهر تقريبًا.


انقبض قلبى على الفور.. ياه شهر بأكمله.. إنه دهر من الزمن، كنت أتوقع أن يحكم فورًا بإلغاء قرار لجنة الأحزاب وعودة الأمور إلى نصابها الصحيح.. لكن شهرا من الوقت كثير على هذه القضية الخطيرة.. كنت أحدث نفسى بهذه الكلمات، لكن سرعان ما ذهبت أسأل عن توقعات الحكم ومدى إلزامه للحكومة بالتنفيذ فى حال صدوره لصالحنا.. وتلك نقطة لم تكن تقبل الشك لدى أبدًا وكان الأستاذ على بخبرته القانونية الواسعة على يقين أيضًا من أن الحكم سيأتى لصالحنا.. أما الأستاذان عبدالحليم رمضان وسامح عاشور فقد أخذا القضية على كاهلهما منذ اليوم الأول.
 


موقف نقابة الصحفيين


غادرت مع عدد كبير من الزملاء إلى نقابة الصحفيين، حيث شاركنا فى اجتماع لجنة الحريات الذى دعا إليه الزميل محمد عبدالقدوس مقرر اللجنة.. وقد أصدرت اللجنة بيانًا قويًا انتقدت فيه بشدة إغلاق صحيفة مصر الفتاة وطالبت بعودة الصحيفة وعودة الأمور داخل الحزب إلى وضعها الطبيعى، كان سمير رجب يعتبر قضية مصر الفتاة قضيته الأساسية، كما أنه اعتبر أن الانتصار الذى تحقق بالتآمر والتزوير هو مكسب يجب الحفاظ عليه بأى ثمن، ولهذا كان يتحرك سريعًا فى مواجهة أية مواقف معادية للمؤامرة التى جرى تنفيذها، وما أن علم عبر بعض الصحفيين العاملين لدى المؤسسة التى يترأسها بنبأ اجتماع لجنة الحريات حتى جن جنونه وراح يرسل بالصحفيين والعاملين من أجل تخريب الاجتماع الذى كان قد انتهى منذ قليل.. وما إن اكتمل عدد هؤلاء الأشخاص إلى نحو سبعين فردًا حتى قام أحدهم بتوجيه الشتائم إلى شخص الزميل محمد عبدالقدوس الذى لم يكن موجودًا ففتح بذلك سوق عكاظ، فراح كل فرد من هؤلاء يكيل الشتائم عن غير اقتناع، لكن سمير رجب كان يضع وسطهم عددا من الذين كانوا ينقلون إليه مواقف هؤلاء الأشخاص بالتفصيل، ومدى حماس كل منهم للتكليفات التى كلفهم بها، وقد حكى لى زميل بمؤسسة دار التحرير أن سمير رجب كان عصبيًا فى هذا اليوم خاصة بعد أن قرأ صحيفة الشعب المعارضة التى احتل موضوع مصر الفتاة مانشيتها الرئيسى الذى يقول «القصة الكاملة لمؤامرة تغيير القيادة الشرعية لحزب مصر الفتاة.. عدوان خطير على الشرعية وحرية الصحافة".
 

وحوى العدد تقريرًا للزميل عماد محجوب الصحفى بالصحيفة كشف فيه بالمعلومات أن سمير رجب وأطراف داخلية وخارجية كانوا خلف مؤامرة إغلاق مصر الفتاة والانقلاب على القيادة الشرعية للحزب، كما كتب د. حلمى مراد مقالًا هامًا فند فيه حجج لجنة الأحزاب وأوضح مخالفتها لقانون الأحزاب ذاته. كما كتبت أنا مقالًا قصيرًا بعنوان «غدًا سنعود» أكدت فيه على ثوابتنا السياسية وتفاؤلنا بالعودة فى المنظور القريب، وفى اليوم التالى صدرت صحيفة الأهالى لسان حال حزب التجمع وعلى صدر صفحتها الأولى بيان من حزب التجمع يدين المؤامرة على مصر الفتاة، كما نشر الزميل مدحت الزاهد تغطية إخبارية عن مؤتمر المعارضة .
أما جريدة الوفد فقد تجاهلت هذه الأحداث تمامًا.
 

الفريق محمد فوزي وزير الحربية الأسبق يعلن تضامنه
 


فى هذا اليوم وردًا على ما نشرته جريدة الشعب طلب سمير رجب. من خادمه الأمين أن يلتقى هو و المقاول ويعقدا مؤتمرًا صحفيًا فى منزل الآخر بمصر الجديدة. و لم يحضر هذا المؤتمر سوى بعض أتباع سمير رجب، ولكن صحيفة الجمهورية خرجت فى اليوم التالى وكذلك صحيفة المساء تحملان المزيد من الشتائم والادعاءات الباطلة، وكان أبرز ما قرأته فى هذا اليوم خبرًا يؤكد إحالتى أنا والأستاذ على الدين صالح للتحقيق أمام نيابة أمن الدولة.. وعلى الفور اتصلت بالمستشار عبد المجيد محمود المحامى العام الأول لنيابات أمن الدولة أسأله عن حقيقة الخبر، فنفى ذلك نفيًا قطعيًا وأكد أن هذه المعلومات كاذبة من أساسها. وأمسكت بالهاتف وتحدثت مع الصديق محفوظ الأنصارى رئيس تحرير الجمهورية الذى كنت أعلم أن مثل هذه الأخبار تنشر من خلفه وأنه يقرأها شأنه شأن أى قارئ عادى فى اليوم التالى. وعندما أبلغت الأستاذ محفوظ بنفى المستشار عبد المجيد محمود لما هو منشور اليوم بالجمهورية أبدى اندهاشه وطلب منى أن أكتب له تصحيحًا للأمر، فكتبت النفى على لسانى وقلت له أتمنى أيضًا أن تتصل بالمستشار عبد المجيد محمود لتتأكد من حقيقة الأمر.. لكن محفوظ الانصارى لم ينشر شيئًا، وكنت أعرف أنه لن يستطيع النشر. وفى هذا اليوم أيضًا علمت أن جريدة الوفد منعت هى الأخرى مقالين أحدهما للكاتب صلاح عيسى والآخر للكاتب الصحفى مجدى مهنا ينتقدان فيه المؤامرة التى نفذت ضد مصر الفتاة. ومرة أخرى فلم أبد أى قدر من الاندهاش، فقد كنت أتوقع هذا الموقف أيضًا!! وغادرت إلى المنزل فى وقت مبكر مساء اليوم، فقد كنت على موعد أيضًا للسفر إلى قريتى بمدينة قنا لتوديع والدى و والدتى قبل سفرهما لأداء مناسك الحج.
 

زيارة إلى قنا
 

قبيل أن أذهب إلى المنزل توجهت إلى الأستاذ على الدين صالح لأطمئن على حالته الصحية وأودعه قبيل سفرى.. ويالرباطة الجأش فقد كان الرجل كالعهد به قويا وصلبا فى مواجهة الأحداث الجسام، وما أثار الارتياح فى نفسى أنه لم يتأثر من هذه الادعاءات والأكاذيب الظالمة التى كان يرددها الأفاقون فى الصحف الصفراء، والتى حاولوا من خلالها النيل من شرفه وسمعته الطيبة، والتى نالت احتقار الناس وغضبهم، فى اليوم التالى غادرت إلى بلدتى برفقة شقيقى محمود ولم يكن قد مضى على الأزمة سوى أيام معدودة.. وفى يوم الجمعة أدينا الصلاة بالمسجد العتيق بالقرية. وهناك استمعنا إلى خطبة للشيخ على عبدالقادر خطيب المسجد كان لها وقعا ايجابيا على نفسى ونفوس أبناء البلدة، حيث تحدث الشيخ عن صراع الحق والباطل وقضية مصر الفتاة وما جرى لها، وقال الشيخ موجها كلامه إلى وإلى شقيقى «سواء كنتم غالبين أو مغلوبين فأنتم فى نظرنا غالبين دائمًا إن شاء الله".
 

وبعد أداء الصلاة تدافع علينا أهالى القرية فى مشهد مؤثر لن أنساه ما حييت.. وقد صمم الكثيرون من شباب البلدة على أن يصطحبوننا إلى المنزل فى شكل مظاهرة جماعية، وفى المساء ذهبنا لتأدية واجب العزاء فى وفاة المرحوم الحاج «عبد الغنى أبو عدس» وهو أحد كبار القرية.. وفجأة وجدنا العزاء وقد تحول إلى ندوة استفسارية حول مصر الفتاة وما جرى لها على يد سمير رجب وما هو متوقع بشأن عودتها، وذهلت من مستوى اهتمام الناس البسطاء بالصحيفة والاستفسار عن صحة الأستاذ على الدين صالح ومدى تأثير الحدث عليه خاصة أننا كنا قد نشرنا منذ أسابيع قليلة نبأ إصابته بأزمة قلبية وإجراء عملية له بمعهد القلب.
 


صوت الناس


كان الجو حارًا فى مساء اليوم التالي فذهبت أنا وشقيقى إلى مدينة قنا التى لا تبعد سوى كيلو مترات معدودة عن القرية، وكم شعرنا بالفخر العظيم ونحن نرى الكثيرين يستوقفونا فى الشارع ليعربوا عن سخطهم على المتآمرين ومن يقفون خلفهم. قال لى محمود بكرى وقد شعر بالزهو: الآن أستطيع أن أقول أننا نجحنا فى توصيل الرسالة. فهؤلاء الناس هم الذين كنا نستهدف الوصول إليهم وقد وصلنا وحركنا بداخلهم أمورًا كثيرة وكشفنا عيونهم على مواطن الخطر، ولكننا حتما سننتصر على المؤامرة. وأثناء عودتنا لفت انتباهى التغطية الخبرية الممتازة التى نشرتها جريدة الحقيقة المعارضة حول أبعاد القضية فاتصلت بالزميل الأستاذ محمد عامر رئيس التحرير وشكرته على موقفه النبيل.


وصباح الأحد صدرت صحيفة المساء وفى صدر صفحتها الأولى إعلان كبير يزف إلى الناس نبأ إصدار صحيفة مصر الفتاة فى شكلها الجديد.. ويا للفضيحة فقد كانت مسخًا وليست صحيفة.. . لكن أبرز مالفت الانتباه هى صورة سمير رجب وقد بدى ضاحكًا ، وقد زينه صبيه بأربعة ألوان ثم سرعان ما عادت الصحيفة فى العدد التالى إلى اللونين الأحمر والأسود، وكأن سمير رجب اشترط لظهور صورته على صدر الصحيفة أن تأتى مزركشة ملونة.


وكانت نكته الموسم عندما قدمه صبيه على أنه الاستاذ الكبير، والمفكر الذى سبق عصره وأن الصحفيين أعضاء النقابة يطالبونه ويلحون عليه ليتكرم ويتواضع ويرشح نفسه نقيبًا، فأغلق على نفسه مكتبه بعد أن قام صبيانه بإجراء استفتاء فى أوساط الصحفيين على استمارة خاصة طبعت بالمؤسسة ذاتها فجاءت النتيجة صاعقة والتقت مع تقديرات الأجهزة المختلفة التى رفعت للجهات المسئولة فغضت الطرف عن أمر ترشيحه.
أما عدد مصر الفتاة الحكومية فقد أصبح مثار سخرية الجميع، خاصة صورة تلك المجموعة يتراصون متشابكى الأيدى وخلفها صورة الرئيس مبارك وكأنهم يقولون للكافة إننا رجال الرئيس وأن الرئيس يحرسنا ويرعانا.
إن تعليقات الناس على هذا العدد والأعداد التى تلته تلخصت فى كلمة واحدة وليست أكثر "ملهاة"!


مؤتمر المحامين


كنا قد حددنا مساء الاحد 7/ 6/ 1992 موعدًا لعقد المؤتمر الجماهيرى بنقابة المحامين.. وقبل عقد هذا المؤتمر بيومين إتصلت بى  إحدى الزميلات والتى كانت تعمل بإحدى الصحف التى تصدر من القاهرة فى هذا الوقت وأبلغتنى أنها حاولت الاتصال بالمدعو (ع.ر) لإجراء حديث معه للصحيفة التى تعمل بها فرد عليها شخص آخر يدعى (ا.ع)، وعندما شرحت له الموضوع حدد لها الأحد 7/ 6 موعدا لإجراء الحديث.. وتقول نور إننى عندما أبلغته بأن الأحد هو موعد عقد المؤتمر الجماهيرى لمصر الفتاة وأنها سوف تحضر هذا اللقاء، قال لها أن المؤتمر لن يعقد وأنهم قرروا إرسال مجموعة من البلطجية وأن سمير رجب لن يسمح أبدًا بعقد المؤتمر.
وقد أبلغت الأستاذ سامح عاشور مقرر لجنة الحريات بنقابة المحامين بهذه الأنباء فى حينه وعلمت بعد ذلك أن (ع.ر) ذهب إلى نقابة المحامين والتقى بالاستاذ صبرى مبدى الأمين العام للنقابة محاولًا إلغاء المؤتمر باعتبار أن الشرعية فى يديه، إلا أنه أخفق فى مهمته.
وفى تمام الرابعة من بعد ظهر الأحد كان الزملاء المحررون وأعضاء الحزب قد فرغوا لتوهم من وضع الملصقات واليفط وتشكيل لجنة للنظام وتهيئة القاعة لعقد المؤتمر. وفى هذا اليوم إلتقيت بالزميل عادل السنهورى رئيس قسم الاخبار بالصحيفة وأحد أبرز محرريها السياسيين، كان عادل قد عاد لتوه من رحلة صحفية إلى اليمن، وحكى لى كيف استقبله اليمنيون بالترحاب عندما عرفوا أنه موفد مصر الفتاة إلى الدرجة التى أصابته بالذهول.. وروى لى كيف كانت صدمة الناس كبيرة عندما شاهدوا الطبعة الحكومية من مصر الفتاة.. تتصدرها صورة سمير رجب.
وأمام جمع من الحاضرين، كان عادل يحكى وقائع ما جرى غير مصدق لهذا النجاح الخطير الذى حققته مصر الفتاة فى اليمن، حيث كنا نوزع أكثر من 2500 نسخة أسبوعيًا دون أية مرتجعات، وكنا نعانى الأمرين من الطلبات العديدة التى كانت تصل إلينا من شركة التوزيع مطالبة بزيادة الكمية إلى عشرة آلاف نسخة، لكننا كنا عاجزين عن الوفاء بهذه الكمية أمام التكلفة العالية التى تتطلبها عملية شحن الصحيفة إلى اليمن.. وأمام الزيادات الهائلة لتوزيع الصحيفة.



منذ الخامسة بعد الظهر بدأ الناس يتوافدون إلى قاعة النقابة، وقد امتلأت القاعة عن آخرها، وكان أبرز ما يلفت الانتباه هو مشاركة أكثر من مائة وخمسين شخصًا من أبناء بولاق الدكرور وحدها فى المؤتمر.. وقد تولى عدد من هؤلاء الشباب عملية التنظيم وحراسة المؤتمر من أيه محاولات تخريب إلى جوار لجنة النظام. وفى السادسة مساء لفت الانتباه قدوم نحو عشرين شابا يقودهم أحد أتباع سمير رجب وتوجهوا إلى قاعة الاجتماع مباشرة، حيث عزلوا أنفسهم فى أحد الأركان الجانبية بالقاعة. وعندما شاهد أحد الزملاء هذا المدعو الذى سبق وتولى عملية شحن التلاميذ من أحد المعاهد الأزهرية بالقليوبية إلى مؤتمر الإسكندرية أبلغ سامح عاشور الذى أرسل بدوره لأمن النقابة والذى طالبهم بالخروج على الفور دون تردد أو مقاومة!!، ورفضنا أية محاولة للاعتداء عليهم من قبل بعض الزملاء الذين التزموا بضبط النفس إلى أقصى الحدود، وكان هؤلاء قد قدموا لتوهم من دار التحرير حيث رسم لهم سمير رجب سيناريو تخريب المؤتمر.
وفى السابعة مساء بدأ المؤتمر حيث تحدث فيه الأساتذة إبراهيم شكرى رئيس حزب العمل ومصطفى كامل مراد رئيس حزب الأحرار وجمال ربيع رئيس حزب مصر وأحمد سيف الإسلام عن الإخوان المسلمين و نبيل الهلالى عن الماركسيين وسامح عاشور عن نقابة المحامين ومحمد عبد القدوس عن نقابة الصحفيين وعبدالمحسن حموده عن الطليعة الوفدية وعبدالعظيم مناف رئيس تحرير صوت العرب التى سبق وأن اغلقها النظام بناء على طلب من جهات خارجية أيضًا، وتحدثت أنا واختتم المؤتمر الأستاذ على الدين صالح بكلمة حماسية ألهبت حماس الجماهير الذين راحوا يهتفون فى مواجهة عسف السلطة، كما هتفوا ضد سمير رجب ومؤامرته.
وقد حضر إلى المؤتمر الجماهيرى العديد من الشباب الناصرى من أعضاء الحزب الناصرى، كما شارك فى المؤتمر حسين عبدالرازق عضو الأمانة المركزية لحزب التجمع وفريدة النقاش عضو الأمانة العامة وأمينة النقاش عضو الأمانة المركزية والكاتب صلاح عيسى كما شارك أيضًا اللواء كمال حافظ برغم مرضه وشقيقه اللواء عصام حافظ.


وانصرفنا فى نحو العاشرة والنصف مساء فى مظاهرة حاشدة، بينما علت الحناجر تهتف هتافًا يصل إلى حد الصراخ تندد بهذا النظام الذى انتهك الحريات وصادر لسان الوطنيين.


وفى صباح اليوم التالى أصابتنى الدهشة وأنا أقرأ خبرًا فى الصفحة الأولى لجريدة الجمهورية زعمت فيه أننى أنا ومحمود المليجى الأمين العام للحزب اعتدينا بالضرب على ثلاثة من أنصار (ع.ر) وأن ذلك قد حدث فى تمام الساعة السابعة والنصف من مساء أمس أثناء محاولتهم الدخول مع آخرين إلى قاعة المؤتمر، يا للعجب عندما رأيت صورًا فوتوغرافية لأشخاص لم أرهم فى حياتى مضمدى الرؤوس تحت زعم أننى إعتديت عليهم بالضرب، والأخطر من هذا قال إنهم حصلوا على تقارير طبية من مستشفى المنيل الجامعى تؤكد إصابة هذا بكدمات فى وجهه والآخر بكدمات فى فخده!! 


كما راح أحدهم يزعم أنه أصيب إصابات بالغة فى عينه، وأننا سرقنا منه ستة آلاف جنيه، ولأنه لا يملك ستة آلاف مليم، فقد زعم أن هذه النقود أموال حصل عليها من (ا.ع) و (ع.ر) لاستئجار مقر للحزب فى القليوبية.
وبعد ساعات قليلة أبلغنى الأستاذ على الدين صالح أن أمين شرطة بقسم قصر النيل يطلب توجهى أنا والمليجى إلى القسم لأخذ اقوالنا، وعرضنا على النيابة. واتصلت بالأستاذ مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين أبلغه بالأمر وتحدث مع بعض قيادات الأمن الذين أنكروا حدوث ذلك من الأساس، وتوجهت إلى قسم قصر النيل ومعى الزميل صالح رجب والتقينا بنائب المأمور، وكان رجل دمث الأخلاق، وتصادف أنه هو الذى تولى الإشراف على حراسة المؤتمر من قبل قسم قصر النيل، حيث أن نقابة المحامين تقع فى دائرةهذا القسم، وأبدى دهشته نافيًا حدوث ذلك من الأساس، وكان موقف العميد حمدى عبدالكريم والمقدم حامد عوض بمكتب الصحافة بمباحث أمن الدولة فى هذه القضية موقفًا إتسم بالحياد.
وفى نيابة قصر النيل تم التحقيق معنا، ولم يكن أمام وكيل النيابة من خيار غير ذلك، فاتهمنا بدورنا المبلغين بتهمة البلاغ الكاذب وحققت معهم النيابة على هذا الأساس.
لقد تكشف لنا بعد ذلك أنه وبعد فشل البلطجية فى الدخول إلى قاعة المؤتمر لجأوا إلى سمير رجب، الذى كان يتابع الأحداث من برجه العاجى فى دارالتحرير وبعد أن ألقى على مسامعهم فاصلًا من الردح والشتائم، راح ذهنه يتقق عن مؤامرة خسيسة، إذ طلب المحرر الفنى «ص.د» صاحب الأحاديث الفنية المفبركة وطلب منه سمير رجب أن يقوم باللازم من أجل تنفيذ الخطة الخسيسة، وعلى الفور تبادل البلطجية الثلاثة اللكمات فاحدثوا الاصابات ببعضهم البعض وقام ( ص.د) بإصدار أمره إلى المصور لالتقاط صور لهم بعد أن وضعوا الضمادات على وجوههم، ثم طلب منهم بعد ذلك التوجه إلى قسم قصر النيل ومنه إلى مستشفى المنيل الجامعى بعد أن أجرى سمير رجب اتصالاته اللازمة. وفى صباح اليوم التالى وضعوا اسم الزميل الصحفى جمال عقل وهو بلدياتى على الخبر دون أن يدرى، وربما أصيب بالدهشة بعد أن قرأ اسمه على خبر لم يكتبه فى صباح ذلك اليوم.
 


أمام النيابة مجددًا


استمرت المؤامرات التى يقودها سمير رجب ضدنا، وفى هذا الوقت تعرض الأستاذ على الدين صالح إلى حملة شرسة من المتآمرين الذين وضعوا أيديهم على أموال الحزب والصحيفة فبددوها عن آخرها، فبعد أن تواطأت لجنة الأحزاب مع ضابط الشرطة السابق ( ع.ر) بدأ (ع.ر) فى توزيع الاتهامات ضد قيادة الحزب والصحيفة. وكان نصيب الأستاذ على من هذه الاتهامات كبيرًا ففى 25/ 5/ 1992 راحت جريدة الجمهورية تمنح (ع.ر) مساحة كبيرة فى الصفحة الأولى ليبث سمومه الكاذبة، ومن أجل أن يحاول التصدى لتيار المعارضة الجارف جماهيريًا تقدم ببلاغ كاذب إلى النائب العام يتهم فيه الأستاذ على الدين صالح بالاضرار بالمال العام وتحويل بعض الأموال من الحزب إلى الحساب الخاص باسم كريمته، كما اتهمه بالحصول على أموال من العراق فى مقابل مناصرته لما اسماه بالغزو العراقى للكويت، واتهمه بتزوير الانتخابات فى الحزب والحض على كراهية نظام الحكم، إلى آخر هذه التهم التى أعدها له سمير رجب وطلب منه أن يتقدم بها كبلاغ إلى النائب العام.. وعلى الفور بدأ كاتب السلطة الردح من جديد فراح ينشر بالصفحة الأولى لجريدة الجمهورية مانشيتا على 3 عامود بتاريخ 25/ 5/ 1992 يقول (ع.ر).. الرئيس الجديد لحزب مصر الفتاة.. اتهامات ضد على الدين صالح للنائب العام وأرفق ذلك بكم كبير من الشتائم والاتهامات التى لا تقوم على أساس والتى وصلت إلى حد العمالة واللصوصية إلى آخر هذه الاتهامات.


واستمع مكتب النائب العام إلى عدد من قادة الحزب وحقق معهم فى الاتهامات المقدمة وانتدب فى ضوء ذلك لجنة من الجهاز المركزى للمحاسبات لتضع حدًا لهذه الأقاويل.


وجاءت اللجنة إلى مقر الحزب وبدأت تبحث الأوراق واستمرت فى عملها لأكثر من شهر ثم قدمت تقريرها الذى أكد أن جميع هذه الاتهامات كيدية، وإلا ما كان أحد من المسئولين بقيادة الحزب خارج الأسوار، وهكذا فقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يكشف أبعاد المؤامرة وأن يرعى بعنايته هذا الرجل والذى أرادوا أن يلوثوا شرفه وسمعته بعد أن فشلوا فى إدانته سياسيًا، وتم حفظ التحقيق دون التحقيق مع الرجل واستدعائه، لقد تحمل على الدين صالح كمًا من البذاءات التى كانت تنشرها صحف «مايو» والجمهورية والمساء ومجلة «حريتى» أكبر من طاقة البشر بكثير، ومع ذلك بقى صامدًا لأنه كان يعرف عن يقين أن الحقيقة سوف تظهر فى وقت أقرب مما يتصور أنصار الباطل.


وبالفعل فبعد أن حفظ النائب العام هذا البلاغ الكيدى كنت أرى السعادة على وجه الأستاذ على برغم الألم الشديد الذى كان يعتصره على مدى الأيام الماضية فليس هناك أهم من سمعة السياسى وشرفه.. 
بعد ذلك دفع سمير رجب أحد صبيانة ليتقدم ببلاغ للنائب العام يتهم فيه الاستاذين محمود المليجى الأمين العام ومحمد بيومى نائب رئيس الحزب بأنهما حرضا على كراهية النظام وحملا بشدة على الرئيس فى عيد العمال. وكان المليجى وبيومى قد انتقدا بشدة فى هذه الندوة خطاب الرئيس فى عيد العمال وما حواه من مواقف بعينها، ويبدو أن أحد صبية كاتب السلطة كان موجودًا فى هذه الندوة التى نشر ملخصها بمصر الفتاة فراح يقدم بلاغًا إلى النائب العام ليرضى غليل سيده الذى أراد الفتك بالقيادات الشرعية للحزب. وكان سمير رجب قد تناول أكثر من مرة بالتجريح الأستاذ المليجى واتهمه كالعادة باتهامات زائفة مما دعا المليجى إلى الرد عليه بشدة على صفحات مصر الفتاة فجن جنون كاتب السلطة وراح يبحث عن وسيلة للانتقام..


وكما هو متوقع فبعد التحقيق الذى أجراه النائب العام حفظت القضية على اعتبار أن لكل حزب سياسى الحق فى إبداء ما يعين له من آراء فى سياسة البلاد الخارجية والداخلية.
وهكذا أصيب سمير رجب بلطمة جديدة بعد قرار النائب العام.
فى هذا الوقت كان سمير رجب قد طلب من خادمه الأمين أن يأتى له بالأموال التى وضع يده عليها فى حساب مصر الفتاة وكان المبلغ فى هذا الوقت يقارب النصف مليون جنيه، وبالفعل سحب رشدى غالبية المبلغ و وضعه فى الخزينة الخاصة بالمؤسسة الجاثم على صدرها على اعتبار أن كاتب السلطة يطبع له الصحيفة فى مطابع المؤسسة، كما أن وجود المبلغ داخل الخزينة هو بمثابة تأمين مقدم لعمليات الطباعة، وفى نفس الوقت يصبح المبلغ فى أمان خوفًا من أن يحصل على الدين صالح على حكم قضائى يمكنه من وضع اليد على المبلغ أو يتخذ البنك قرارًا بتجميد الأموال لحين حسم الأمر قضائيًا. لكن الشئ الذى لم يقله سمير رجب إنه بوضعه هذا المبلغ داخل خزينته إنما استهدف أن يمسك برقبة خادمه حتى ينفذ كل ما يطلب منه طواعيه ودون أدنى اعتراض.
استمر الصرف ببذخ، فقد تردد أن صبى كاتب السلطة الذى عين رئيسًا للتحرير وكل خبرته أنه عمل مراسلًا كان يتقاضى نحو ألفين من الجنيهات على المادة الرديئة التى كان ينشرها فى الصحيفة. وكانت العزومات الخاصة تقام باستمرار تحت بند التحرير أو الأعمال الحزبية إلى آخر هذه التصرفات المشبوهة التى كانت من نتاجها ضياع غالبية المبلغ الذى هو ثمرة جهد عام ونصف فى الصحيفة التى نجحت توزيعيًا وإعلانيًا نجاحًا مبهرًا.


كنا قد بذلنا جهودًا كبيرة لدى بنك مصر ليوقف صرف هذه الأموال لحين حسم الأمر أمام القضاء، لكن الشئون القانونية للبنك والتى وصلها خطاب لجنة الأحزاب يقر بأن (ع.ر) هو رئيس الحزب رفضت وبإصرار الاستجابة لمطلبنا، مع أن ذلك حق طبيعى. فالمعروف أنه وفى حال حدوث أى خلاف تجمد الأموال لحين حسم الأمر قضائيًا.
على أية حال فقد بدد المتآمرون كل شىء وبأسرع مما نتوقع ولم يكن أمامنا إلا أن نقول "حسبنا الله ونعم الوكيل".
 


وفى 30/ 6/ 1992 أصدرت محكمة القضاء الإدارى برئاسة المستشار طارق البشرى حكمًا تاريخيًا يفضى بإلغاء قرار لجنة شئون الأحزاب السياسية الذى اعتد بالمدعو (ع.ر) رئيسًا للحزب وإعادة الأمور إلى وضعها الطبيعى، وألزمت الجهة الإدارية بمصروفات الدعوى.


وغمرتنا الفرحة جميعًا، بينما أصيب سمير رجب وأتباعه بحالة من الذهول، لكن (ع.ر) كان قد تقدم باستشكال أمام محكمة الأمور المستعجلة لوقف تنفيذ القرار. ورغم أن أحكام القضاء الإدارى واجبة النفاذ، وأن أية إشكالات لا توقف التنفيذ، إلا أن الحكومة راحت تستند إلى الإشكال وتتخذه مبررًا لوقف تنفيذ الحكم الصادر لصالحنا.. وقد هدد سمير رجب صراحة يومها بأن الحكم لن ينفذ على الإطلاق. 
وبذلنا العديد من المحاولات إلا أن كل ذلك ذهب هباء بعد أن أصرت لجنة الأحزاب على تحدى حكم القضاء، وقد أصاب موقف اللجنة الكثيرين بحالة من الإحباط خاصة وأن اللجنة بدلًا من أن تعيد الأوضاع إلى نصابها الطبيعى راحت تدعم المدعو (ع.ر) وتبقى على الأوضاع كما هى، فظلت الجريدة تطبع بمؤسسة دار التحرير وتصدر كلسان لهؤلاء الذين قال القضاء كلمته فيهم.


وفكرنا يومها فى الإعتصام أو الإضراب عن الطعام، لكننا اخترنا الخيار الآخر وهو القضاء. وكان الأستاذان عبدالحليم رمضان وسامح عاشور المحاميان قد صمما على مواصلة المسيرة حتى نهايتها.
وبالفعل لجأنا إلى القضاء مرة أخرى واستمرت الجلسات حتى تقرر حجز القضية للحكم إلى 14/ 1/ 1993. وفى الموعد المحدد أصدرت محكمة القضاء الإدارى برئاسة المستشار حكمًا جديدًا لصالحنا.
وانتظرنا قيام الحكومة بتنفيذ الحكم، وكان الأمل يحدونا فى ذلك إلى درجة أننا بدأنا فى الإعداد لإصدار العدد 79 من مصر الفتاة فى مؤسسة الأهرام، ولكن مجلس الشورى بعث بخطاب إلى مؤسسة الأهرام يؤكد فيه أن الأمر لم يحسم بعد، تحت زعم أنه لم يتم البت فى الإشكال الذى رفعه (ع.ر) ضد الحكم الصادر فى 30/ 6/ 1992. ومع ذلك ففى 22/ 1/ 1993 أصدرت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة حكمها المتوقع فى هذا الإشكال والذى قضى بعدم الإختصاص مما أسقط الإشكال نهائيًا.. وبدلًا من أن تقوم الحكومة بتنفيذ حكم القضاء الإدارى بعد أن سبق وأن وعدت بذلك، راحت تجمد نشاط الحزب بحجة أنها لا تستطيع أن تحدد من هو رئيس الحزب حيث أشارت أن ذلك يحسم بين المتنازعين على الدين صالح و (ع.ر)، اما قضاء أو رضاء، وكأنها تستجيب بذلك لرغبة سمير رجب الذى حسم الأمر وقال إن الصحيفة لن تصدر مهما تعددت أحكام القضاء.


والتقيت أنا والأستاذ عبدالحليم رمضان المحامى برئيس هيئة قضايا الدولة لمناقشته فى الأمر، إلا أننا لم نتوصل إلى حل مرضي، وإن كان قد أكد لنا أنه فى حال صدور حكم قضائى يحدد من هو رئيس الحزب فسوف يتم التنفيذ بلا جدال.
وعندما طعن المدعو (ع.ر) فى قرار تجميد نشاط الحزب الذى جرى بمقتضاه وقف إصدار النشرة الحكومية «مصر الفتاة» تدخل الأستاذ على الدين صالح فى القضية تدخلًا هجوميًا، بعد مداولات وجلسات عديدة صدر الحكم فى 7/ 6/ 1993 حيث أكدت محكمة القضاء الإدارى برئاسة المستشار طارق البشرى على إعادة الوضع إلى ما كان عليه من قبل تدخل لجنة الأحزاب فى 22/ 5/ 1992 بمعنى عودة على الدين صالح إلى رئاسة الحزب واعتبار قرار لجنة الأحزاب كأن لم يكن وإلغاء ما ترتب عليه من آثار، ورغم وضوح الحكم إلا إن لجنة الأحزاب راحت تدعى أنها غير قادرة على تفسير الحكم بشكل جازم. والتزمت الصمت، وصمت الآذان وكأنها تقول "اضربوا رأسكم فى الحائط"!!


وفى المقابل لجأ الأستاذ على إلى القضاء مرة أخرى لإصدار حكم جديد يلزم مؤسسة الأهرام بطبع صحيفة مصر الفتاة إستنادًا إلى الأحكام القضائية السابقة.. لكن اتفاق سمير رجب مع أحمد سلامة هو الذى انتصر وبقيت أحكام القضاء فى الأدراج غير قابلة للتنفيذ. ويبدو وعلى حد تعبير مسئول كبير أن القضية أكبر بكثير من لجنة الأحزاب، ورغم نداءات إصدرتها منظمة حقوق الإنسان فى الشرق الأوسط «ميدل إيست ووتش» طالبت فيها الحكومة المصرية بوقف تدخلها فى شئون حزب مصر الفتاة وإعادة الأوضاع إلى وضعها الطبيعى، ورغم الإدانات العارمة التى نشرتها صحف مصرية وعربية وأجنبية كان أخرها ما نشرته صحيفة «الميدل إيست نيوز» إلا أن الحكومة ظلت على عنادها ترفض الاستجابة بإصرار حتى اليوم، رحل على الدين صالح ولا تزال مصر الفتاة تغلق أبوابها بتعليمات حكومية.

 

اقرأ أيضا:

شهادات وذكريات، يرويها مصطفى بكري لـ«الجمهور»: (قطار الدرجة الثالثة)

شهادات وذكريات، يرويها مصطفى بكري لـ«الجمهور»: (فى السجن للمرة الأولى)

شهادات وذكريات، يرويها مصطفى بكري لـ«الجمهور»: (الطريق إلى ليمان طرة)

شهادات وذكريات، يرويها مصطفى بكري لـ«الجمهور»: طريقى إلى صاحبة الجلالة

شهادات وذكريات، يرويها مصطفى بكري لـ« الجمهور»: اللقاء الأول مع مبارك

شهادات وذكريات، يرويها مصطفى بكري لـ« الجمهور» : صحافة الشيخ أحمد الصباحى

شهادات وذكريات، يرويها مصطفى بكرى لـ«الجمهور»: قصتي مع خالد عبد الناصر وتنظيم الثورة

شهادات وذكريات، يرويها مصطفى بكري لـ«الجمهور»: صعيدي في مونت كارلو

شهادات وذكريات، يرويها مصطفى بكري لـ«الجمهور»: تجربة مصر الفتاة والمعركة مع سمير رجب

شهادات وذكريات، يرويها مصطفى بكري لـ« الجمهور»: الصحافة والحكومة وسمير رجب
 

تابع موقع الجمهور عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا

تابع موقع الجمهور عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجمهور، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة المصرية ، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار، الاقتصاد، حوادث وقضايا، تقارير وحوارات، فن، أخبار الرياضة، شئون دولية، منوعات، علوم وتكنولوجيا، خدمات مثل سعر الدولار، سعر الذهب، سعر الفضة، سعر اليورو، سعر العملات الأجنبية، سعر العملات المحلية.

search