انتصارات أكتوبر، العميد محمد فكري يروى لـ«الجمهور» تفاصيل ملحمة «جبل المر»
العميد محمد فكري أحد أبطال سلاح «المشاة»
«الذكرى الـ51 لحرب أكتوبر 1973 حكاية شعب»، تعد حرب أكتوبر من أعظم الحروب العسكرية التي شهدها التاريخ الحديث، ولم ينتهي الاحتفال بالنصر في أكتوبر 1973، ولكن ظلت الدولة المصرية تحرص على الاحتفال بالنصر العظيم للجيش المصري على العدو الإسرائيلي، في يوم السادس من أكتوبر من كل عام، إذ يحتفل الشعب المصري مع قواته المسلحة بهذا النصر المبين.
51 عاما مضت على انتصارات حرب أكتوبر المجيدة، تلك الحرب التي تكاتفت فيها جميع أسلحة القوات المسلحة وتناغمت في تأدية مهامها، وبحسب وصف الخبراء «إنها حرب الأسلحة المشتركة».
يظل يوم 6 أكتوبر 1973 ملحمة عظيمة صنعتها الإرادة المصرية، وكتبت بسطور من نور في صفحات التاريخ المصري الحديث، وسجلت بطولات لا حصر لها من جنود وضباط صنعوا المعجزات خلال معاركهم مع العدو، وكان لـ«الجمهور» هذا الحوار مع العميد محمد فكري أحد أبطال سلاح «المشاة»، الذى تخرج من الكلية الحربية عام 1968، وشارك فى حرب الاستنزاف وهو طالب فى الكلية الحربية، وتولى قيادة سرية مشاة فى حرب أكتوبر، والتى استطاعت الاستيلاء على جبل المر، بعد معركة قوية.
وإلى نص الحوار..
ما هي ذكرياتك مع حرب أكتوبر 1973؟
الحدث كان كبيرًا، التحقت بالكلية الحربية عام 1966 وحضرت النكسة وأنا طالب وتخرجت عام 1968، عندما حدثت النكسة أخذنا مهمة عمليات وكانت أول تجربة وأنا طالب واللواء محمود زكي عبد اللطيف مدير الكلية جمعنا في أرض الطابور وبدأ يقول إن الكلية مكلفة بواجب عمليات، وكنا مدربين على التعامل بالسلاح والذخيرة والتجهيز الهندسي، وتوجهنا إلى شرق القاهرة وحفرنا خط دفاعي كامل وإحنا طلاب عام 1967، لأن أبعاد المعركة لم تكن ظهرت هل العدو سيعبر القناة في اتجاه القاهرة أم لا، وهذا كان خطًا دفاعيًا عن شرق القاهرة.
كيف كان التدريب لتجهيز خط الدفاع أثناء التدريس فى الكلية الحربية؟
كان على التعامل مع الأسلحة والذخيرة الحية، وهيئة التدريس في الكلية عملوا كقادة أثناء تنفيذ العمليات التي كُلفت بها الكلية ونحن كنا جنود، وحفرنا خطًا دفاعيًا كاملًا وخنادق لنكون موقعًا دفاعيًا، لذلك نحن شاركنا في الحرب قبل التخرج ونفذنا مهمة عمليات مبكرة ونحن طلاب.
كيف كانت طبيعة مشاركتك فى حرب الاستنزاف؟
تخرجت في الكلية الحربية عام 1968 وتم تعيني قائد فصيلة في حرب الاستنزاف في اللواء الثاني من الفرقة 19 مشاة، ونفذنا مهمة عمليات ضخمة جدًا في منطقة حوض الضرس وهي منطقة حيوية جدًا في نهاية قناة السويس عند ملتقى بور توفيق، وهى مدخل مهم بالنسبة لمدينة السويس، بحيث أنها تسيطر على هذا المربع، وكان أمامنا العدو يجهز هندسيًا للنقاط القوية، ومررنا بعدة مراحل أولها مرحلة الصمود التي لا نشتبك فيها وكنا نجهز أيضًا هندسيًا، واشتركنا كضباط وعساكر مع المهندسين العسكريين في تجهيز المواقع.
كيف كانت مرحلة الإعداد للحرب؟
كانت مرحلة إعداد ونفس القصة بالنسبة لإسرائيل كانت تجهز النقاط القوية بمعدات ضخمة جدًا، بعد ذلك انتقلنا من مرحلة الصمود إلى مرحلة الردع عندما تم تسليحنا، لم نكن نشعر بمعاناة في ضبط النفس أثناء مرحلة الصمود وتخرجنا بعد أخذ فرق صاعقة وتدربنا تدريب كبير جدًا، وكنا نشترك في مشاريع ضخمة في برقاش من أجل التدريب على العبور.
ماذا حدث فى الثغرة؟
أرقام الجيش المصرى والجيش الإسرائيلي فى الثغرة كانت فى صالح مصر، فكانت قوات المشاة 3:1، والمدفعية 6:1 والمدرعات 2.25:1، ولو تمت تصفية الثغرة تفوز مصر وينتهى الجيش الإسرائيلي بالكامل.
ما هي الخطة «شامل»؟
الخطة «شامل» كان هدفها تصفية الثغرة، وحين زار وزير الخارجية الأمريكى هنرى كيسنجر مصر قال للرئيس السادات أعرف أن موقفكم فى الثغرة أفضل ولدينا كل الأرقام والمقارنات، وإسرائيل بعد قرار وقف إطلاق النار ومفاوضات الكيلو 101، لم تلتزم، وظلت مستمرة فى القتال وفى التوسع فى الثغرة، وبعد فض الاشتباك الثانى عادت القوات الإسرائيلية من غرب القناة إلى شرق القناة وهى تطلق طلقات فرح بسبب خروجها من الثغرة، ولم يصدقوا أنفسهم أنهم خرجوا من الجحيم أحياء.
ماذا حدث يوم 22 أكتوبر 1973؟
استقبلنا قرار وقف إطلاق النار على الجبهة، والذى اخترقته إسرائيل بعد ذلك، ولكن حينها استقبلنا تحذيرات من قيادات الجيش بالاستعداد دائمًا لاختراق العدو، خاصة أن إسرائيل لا تعترف بأى وقف إطلاق نار، لذا ظل الجيش المصرى كما هو على أهبة الاستعداد رغم صدور القرار بشكل رسمي.
هل كانت إسرائيل ملتزمة بوقف إطلاق النار؟
إسرائيل لم تلتزم إطلاقًا بقرار وقف إطلاق النار، وبدأت تدريجيًا فى استكمال تفعيل الثغرة، وبالفعل ثلاث فرق منهم كانوا عبروا وقت صدور قرار وقف إطلاق النار
كيف كانت لحظات العودة بعد فض الإشتباك؟
بعد الاتفاق على فض الاشتباك مع العدو الإسرائيلي في 1974، بدأت الكتائب المتواجدة فوق جبل المر تتجه نحو الغرب، كتيبة خلف كتيبة، وكان الرئيس الراحل محمد أنور السادات طلب من قائد الجيش الثالث الفريق أحمد بدوي، بنزول المجندين والضباط الذين شاركوا في الحرب إجازات لمدة 24 ساعة، وذلك بعد 100 يوم متواصل في الحرب.
كيف كان الاستقبال بعد العودة؟
استقبال بباقات الورود، أطلقوا علينا في ذلك اليوم «قوات بدر» أثناء الحصار في منطقة الشرق، وبعد فك الحصار أبلغونا أن عناصر منا ستتجه إلى ميدان التحرير لحضور استقبال شعبي، تكريما لجهودنا في حرب أكتوبر، وذلك تم تنفيذه بعد ذلك، وكان هناك اسقبال شعبي وفرحة عارمة بعد الحرب، وأثناء عودتي من الحرب، وخاصة على طريق السويس، رفض سائق التاكسي حينها أن يأخذ مني أي مال، وكان هناك روح غير عادية من قبل المواطنين أثناء استقبالنا، وشعرت حينها أنني فوق الأرض، فالجميع كان يعلم ما قدمناه خلال فترة الحرب.
ما هو الدرس الذي استفدت منه فى الحرب؟
الدرس الذي أريد تقديمه من خلال تجربتي في حرب أكتوبر 73، أننا يجب أن نحب بلدنا بإخلاص شديد، وإذا كان كل شخص في مكانه وعمله لديه الروح التي كانت موجودة في حرب أكتوبر، هذه الدولة ستصبح أفضل مكان في العالم.
ما هى كانت مهمتك أثناء حرب أكتوبر؟
كانت مهمة أفراد المشاة في الحرب احتلال الأماكن المطلوب السيطرة عليها، ونجحت قوات المشاة المصرية في احتلال جبل المر في حرب أكتوبر، واستولوا على مركز قيادة العدو الإسرائيلي للقطاع الجنوبي، الذي كان يكشف مسرح العمليات، وكان من المفترض أن القوة التي احتلت جبل المرة تطور الهجوم، لكن القيادة ارتأت أن جبل المر حيوي ويجب السيطرة عليه.
كيف كان رد فعل القيادة على معركة «جبل المر»؟
القيادة قررت رفع الروح المعنوية للقوات المشاركة فى معركة جبل المر، فأطلقت مسابقة لعمل ميدالية «جبل المر» وحصل كل جندى وضابط شارك فى العمليات على ميدالية، وتقرر تنظيم استقبال شعبى لهؤلاء الجنود.
ماذا فعل الجيش الإسرئيلي بعد تواجدكم فى جبل المر؟
القوات الإسرائيلية حين علمت بالقوة الموجودة في جبل المر، قررت عدم مهاجمتها، لأن جيش الاحتلال الإسرائيلي مدرب على الحرب الخاطفة، وألا يستمر القتال أكثر من ساعات، لأنه لا يتحمل الهزيمة بحسب قواته وتعداده، فالشعب الإسرائيلي كله موجود في الجيش، وأي خسائر في الأرواح لا يتحملها.
كيف كانت معركة جبل المر؟
معركة جبل المر هى إحدى المعارك الشهيرة التى انتصر فيها الجيش المصرى بقيادة اللواء محمد الفاتح كريم على قوات إسرائيل فى أكتوبر 1973، قائد اللواء الثانى مشاة ميكانيكى بالفرقة 19 للجيش الثالث الميدانى حيث كان جبل المر إحدى النقاط الحصينة التى تتمركز فيها القوات الإسرائيلية لتصب نيرانها على مدينة السويس خلال حرب 67 وحرب الاستنزاف.
هل كانت منطقة حبل المر ممهدة للمعركة؟
جبل المر يبعد عن قناة السويس بنحو اثنى عشر كيلو مترا، يمتد طوله حوالى 8.5 كيلو متر ويبلغ ارتفاعه 117 مترا تقريبا وتحيط به الكثبان الرملية وتكثر به الصخور الكبيرة والمتقاربة، وتحيطه الرمال الناعمة من جميع الجهات، وهذا شكل مانعاً طبيعياً صعبا على المركبات، بل والمشاة فالأقدام تغوص فى عمق الرمال ما يقرب من الربع متر فى بعض الأحيان والمشى يصبح عسيرا، ومن هنا تواجه القوات المكلفة بالهجوم على جبل المر صعوبة.
كيف كانت بداية المعركة وأحداثها؟
القصة بدأت من لحظة وصول التعليمات إلى اللواء محمد الفاتح فى الساعة السادسة فى صباح 9 أكتوبر 1973 بأن يندفع بقواته للاستيلاء على الجبل واحتلاله، وبسرعة تم رسم الخطة وخلاصتها مهاجمة الجبل من كلا جانبيه لوضع قوات العدو المتمركزة فيه بين فكى كماشة، بينما الجميع يستعد للمعركة، فإذا بطائرات العدو الفانتوم تغير عليهم فتتصدى لها قوات الدفاع الجوى فتسقط إحداها، ويتم التقاط قائدها من بين حطامها ليدفع به معصوب العينين لينضم إلى طابور الأسرى الإسرائيليين.
وتتحرك القوات صوب الجبل، المشاة فى مدرعاتهم المجنزرة تسبقها الدبابات وتسترها نيران المدفعية الكثيفة، ولكن ما إن بدأ تحرك القوات واقتربت من الجبل حتى قام العدو بتوجيه نيرانه من جميع أنواع أسلحته، صوب القوات المصرية المهاجمة.
وفى هذا الجحيم تقدمت القوات حتى بلغت الكثبان الرملية المصاحبة للجبل فتضاعفت مشقة الاقتحام، وفتحت مصيدة للموت كان قد أعدها العدو لقواتنا لقد أصبحت هذه القوات شبه عاجزة عن التقدم فدباباتنا ومركباتنا يسيطر عليها العدو من أعلى الجبل، ووقعت خسائر وأبلغ قائد قوة الميمنة بأن قواته محاصرة من العدو، أما قائد اليسار فقد أبلغ أن قواته تتقدم متعثرة تجاه الجبل لشدة نيران العدو وأصبح الموقف صعبا عسيرا والوقت يمر سريعا فى غير صالح قواتنا.
وفى هذه اللحظة ظهرت ملامح وسمات الجيش ممثلا فى هذه القوات التى تهاجم جبل المر، التى أثبتت قدرتها الِإعجازية على مواجهة المحن والقتال فى سبيل ما يؤمنون به، فكان اللواء محمد الفاتح أمام خيارين كلاهما مر، إما الانسحاب والعودة وفشل القوات فى تنفيذ مهمتها، ويبقى الجيش الثالث بفرقته هدفا لهجمات العدو وضرباته، أو التقدم وفى هذا هلاك للرجال من أجل تأدية الواجب، وتبدو البطولة فى أبهى معانيها، فعندما يرد اللواء محمد الفاتح على قائده لاسلكيا عندما يستوضحه الموقف، وبعد وصف مختصر لما يجرى يكون الرد.. اطمئن .. فمن خلفك.. رجال سوف يحققون النصر بإذن الله.
وبدأ اللواء محمد الفاتح ومن معه من قادة يتحركون بين الجنود ذهابا وإيابا تحت وابل من النيران وهو يهتف فى الرجال بصوت الواثق من نصر القوى القادر الله أكبر والعزة للعرب.. يا شباب مصر تناديكم الله أكبر والعزة للإسلام، ويذكر المقاتلون كم كان لهذه الكلمات من واقع حسن على نفوسهم وفعل السحر فى المقاتلين.
سقط جبل المر، لترتفع شامخة هامة العسكرية المصرية، وتسجل بكل تواضع درسا من دروس الحرب، سقط بعد أربع ساعات، ليحمل اسما جديدا كتب على أرض سيناء هو اسم «جبل الفاتح».
وبسقوط الجبل، سيطر الجيش المصرى على أهم موقع غرب المضايق فى سيناء بعد أن عانت من قصف مدفعياته مدينة السويس وبور توفيق على مدى أكثر من ست سنوات، ويسقط الجبل ويعتلى قمته خمسون مقاتلا لا يزيدون، ويبقى الفاتح صقرا يحرسه كما يصفه قادته حتى فى أيام الحصار.
وتحققت الأسطورة وحدثت المعجزة فخمسون مقاتلا يرهبون آلافا متحصنين فى جبل المر ويجعلونهم يفرون من هذه القلاع والحصون خائفين مذعورين، لقد ولت دبابات العدو الأربع عشرة الأدبار هاربة نحو الشرق ويخلو جبل المر وما حوله من قلاع وحصون وكان قول الله «وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لا يحتسبوا وقذف فى قلوبهم الرعب».
تابع موقع الجمهور من خلال (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع الجمهور عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع الجمهور عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا
الجمهور، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة المصرية ، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار، الاقتصاد، حوادث وقضايا، تقارير وحوارات، فن، أخبار الرياضة، شئون دولية، منوعات، علوم وتكنولوجيا، خدمات مثل سعر الدولار، سعر الذهب، سعر الفضة، سعر اليورو، سعر العملات الأجنبية، سعر العملات المحلية.
أخبار ذات صلة
هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في سوق العمل؟
-
نعم
-
لا
أكثر الكلمات انتشاراً