الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024

09:19 ص

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

الأسباب والحلول لـ تراكم الحديد في الجسم

صورة أرشيفية

صورة أرشيفية

نورهان عبدالعزيز

A A

الحديد معدن تحتاج إليه أجسامنا للكثير من الوظائف. على سبيل المثال، يُعد الحديد جزءاً من الهيموغلوبين، وهو بروتين يحمل الأكسجين من رئتينا إلى جميع أنحاء أجسامنا. والحديد يساعد عضلاتنا على تخزين الأكسجين واستخدامه. والحديد أيضاً جزء من الكثير من البروتينات والإنزيمات الأخرى التي تلعب أدواراً حيوية في الجسم، خصوصاً في جهاز المناعة. ولذا فإن الحديد، هو أحد الأساسيات في تكوين القوة في أجسامنا وكفاءة عمل الأعضاء فيها.

ولأن المعادن عناصر لا يُمكن للجسم إنتاجها، أسوةً بالفيتامينات، فإن الجسم يجب أن يحصل عليها من الغذاء بالدرجة الأولى. وأيضاً يجدر بالجسم ألاّ يُفرّط ويخسر ما يختزنه منها، إن أمكنه ذلك. وهذه إحدى الحقائق التي يتعامل الجسم بها مع المعادن في العموم.

توازن معدني
ويخزّن جسم الشخص البالغ في المتوسط نحو 1 إلى 3 غرامات من الحديد. ولأنه معدن «نفيس» داخل الجسم، يقوم الجسم بعملية «رائعة» في التوازن بين عمليات «الامتصاص» الغذائي وعمليات إعادة «تدوير» الحديد الذي بداخل الجسم من جهة، وبين عمليات الفقدان المنضبط من جهة أخرى، للمحافظة على هذا التوازن.

وفي جانب الفقدان الطبيعي، لا توجد آلية فسيولوجية طبيعية لإخراج الحديد الفائض مع البول أو البراز مثلاً، بل يفقد الجسم نحو 1 مليغرام من الحديد يومياً من خلال تقشير خلايا الجلد وتساقط الطبقات الخارجية من خلايا الأسطح المخاطية، بما في ذلك بطانة الجهاز الهضمي، وقصّ زيادات الأظافر والشعر. ولدى النساء، يزيد الحيض من متوسط فقدان الحديد اليومي إلى نحو 2 ملغم يومياً في فترة ما قبل انقطاع الطمث. كما يستهلك جسم الجنين كميات كبيرة من حديد جسم الحامل.

وبالتالي، ومع ضبط عمليات خروج الحديد بطريقة طبيعية (وليس عن طريق نزيف الدم مثلاً)، فإن مستوى الامتصاص من الغذاء في الأمعاء، وكفاءة عمليات إعادة «تدوير» الحديد الذي بداخل الجسم، هما وحدهما ما ينظّم بطريقة «طبيعية» مخزون الحديد في الجسم.

وبالأساس، يحتاج الجسم إلى «كمية مناسبة» من الحديد. وإذا كان لدى المرء قليل من الحديد، فقد يُصاب بفقر الدم الناجم عن نقص الحديد، ويعتريه الوهن والضعف وضيق النفس وخفقان القلب وتساقط الشعر والإمساك والتشويش الذهني. وأسباب انخفاض مستويات الحديد تشمل إما فقدان الدم إلى خارج الجسم (النزيف)، وإما سوء التغذية، وإما عدم قدرة الأمعاء على امتصاص ما يكفي من حديد الأطعمة.

أما أسباب ارتفاع الحديد، فإنها أكثر تعقيداً. وتصنفها الأوساط الطبية إلى حالات متعددة، ذات آليات مختلفة، في تسببها بارتفاع كمية الحديد في الجسم، وبالتالي تسببها بمضاعفات وتداعيات مؤثرة على أعضاء مهمة في الجسم.

تراكم الحديد
وحالات زيادة تراكم الحديد في الجسم، يتم طبياً تصنيفها إلى حالات عامة وحالات محددة. وللتوضيح، فإن هناك حالات تحصل فيها زيادة تراكم الحديد في «عموم أجزاء الجسم وأعضائه»، وذلك عندما يتعرض عموم الجسم لكميات عالية من الحديد. وبالتالي ستتضرر بسببه أعضاء عدة في الجسم. إذْ حينها، يمكن أن تظهر أعراض ومضاعفات ذلك التراكم المفرط في الغدد الصماء (البنكرياس والغدد التناسلية والغدة النخامية) والكبد والقلب.

وفي المقابل، هناك حالات من زيادة تراكم الحديد في أعضاء محددة، لأنها تعرضت وحدها بشكل مباشر للنزيف الموضعي مثلاً، وبالتالي لكميات عالية من الحديد. وحينها قد تظهر الأعراض في هذه الأعضاء دون غيرها، مثل الرئة والكلى.

ويُمكن تقسيم أسباب ارتفاع الحديد في الجسم إلى نوعين رئيسيين، هما:

الأول- إدخال كميات كبيرة من الحديد إلى الجسم. والآخر- اضطراب عمليات إعادة «تدوير» الحديد في الجسم Iron Recycling.

وفي النوع الأول، من الممكن أن تدخل الجسم كميات عالية من الحديد عبر عدة طرق، من أهمها:

- التناول المفرط عبر الفم لكميات عالية من حبوب المعادن والفيتامينات (التي تحتوي على الحديد) أو حبوب الحديد وحده، أو تلقي الحديد بكميات عالية عبر الحقن (في الوريد أو العضل)، وذلك دون مشورة الطبيب. وهنا إما أن تحصل حالة التسمم بالحديد Iron Poisoning، وهي حالة حادة تظهر سريعاً نتيجة دخول كميات عالية من الحديد إلى الجسم بسرعة، وإما أن تحصل حالة مزمنة من تراكم الحديد في عموم الجسم.

- استخدام أواني الطهو المصنوعة من الحديد، أو تناول مشروبات معتّقة تم إنتاجها في أوانٍ من الحديد أو مختلطة بالحديد. وبالتالي دخول الكثير من الحديد إلى الجسم. واللافت للنظر، أن عدة دراسات طبية في الهند وغيرها، اقترحت الطهو في أوانٍ حديدية كوسيلة وقائية، لتقليل الإصابات بفقر الدم نتيجة نقص الحديد في الجسم.

- تكرار عمليات نقل الدم إلى بعض المرضى لفترات طويلة أو طوال العمر. وهناك حالات مرضية عدة، يحصل فيها فقر الدم المزمن (الأنيميا المنجلية، أو أنيميا البحر المتوسط، أو ضعف الكلى، أو تكرار نزيف المعدة أو الأمعاء، أو كسل نخاع العظم، أو غيرها من الحالات)، وتتطلب هذه الحالات تكرار نقل الدم عدة مرات خلال السنة الواحدة. وعبر عدة سنوات، وما لم يتم إعطاء المريض أدوية تخليص الجسم من الحديد، ستتراكم لا محالة كميات كبيرة من الحديد في الجسم.

- ارتفاع نشاط عمليات امتصاص الحديد من الأمعاء. وثمة عدة اضطرابات وراثية، يزيد فيها امتصاص الأمعاء للحديد، وبالتالي زيادة تراكمه في الجسم. ومن أمثلتها «دَاء تَرَسُّبِ الأَصبِغَةِ الدَّمَوِيَّة Hemochromatosis».

تداعيات زيادة تراكم الحديد في الجسم
في حالة تُسمى «داء الهيموسيديرات Hemosiderosis»، تتعرض الرئة والكليتان على وجه الخصوص، لترسب كميات عالية من الحديد. وعندما يحصل نزيف دموي موضعي مباشر في أحد أجزاء الرئتين، تتحلل خلايا الدَّم الحمراء، ويخرج الحديد ليترسب في أنسجة الرئة. كما أن تعرّض خلايا الدم الحمراء للتكسّر داخل الأوعية الدموية (فقر الدم الانحلالي)، يُخرج الحديد ليمتزج بسائل الدم، ثم يَعْلق ويترسب في أنسجة التصفية والترشيح داخل الكليتين.

وهنا يعتمد مقدار تضرر الأعضاء بترسُّب الحَديد، على كمية الحديد الذي يترسّب فيها. وبالتالي، قد لا يعاني المرضى من أي مشكلات، أو قد يعانون من درجات متفاوتة من الضرر في عمل الرئة أو الكلى.

وفي حالة أخرى تُسمى «دَاء تَرَسُّبِ الأَصبِغَةِ الدَّمَوِيَّة Hemochromatosis»، ترتفع كميات الحديد في الجسم بسبب زيادة امتصاص الأمعاء للحديد. وهي حالة وراثية، قد يُصاب المرضى فيها باضطرابات في الكبد أو مرض السكري، أو قد يشعرون فقط بالتعب.

وتظهر الأَعراض بالتدريج عادةً. وقد لا تُلاحَظ حتى يصبح تراكم الحديد مفرطاً في الأعضاء، بما في ذلك الدماغ والكبد والبنكرياس والرئتين والقلب.

وتكون الأَعراض الأولى غامضة أحياناً، مثل التعب أو الضعف. ولكن في مراحل متقدمة، يمكن أن تظهر الأعراض التالية:

- تغير لون الجلد إلى اللون البرونزي.

- ألم البطن.

- تشوش الذاكرة.

- مرض السكري.

- فشل القلب.

- آلام المفاصل، خصوصاً اليدين.

- ضعف الكبد نتيجة تشمع التندّب الدائم في الكبد.

- العقم.

- كسل الغدة الدرقية.

- ضعف الانتصاب وفقدان الدافع الجنسي لدى الرجال.

- فقدان الدافع الجنسي وانقطاع دورة الحيض لدى النساء.

عمليات إعادة «تدوير» الحديد في الجسم
إنتاج كريات الدم الحمراء من أسرع العمليات في الجسم، حيث تنتج هذه العملية 200 مليار من كريات الدم الحمراء يومياً، أي ما يعادل 2.5 (اثنين ونصف) مليون كل ثانية، وهذا هو أحد أكثر الأنشطة كثافة في الجسم. ومركبات الهيموغلوبين مكون أساسي في كل خلية دم حمراء. وفي قلب كل مركب هيموغلوبين يوجد الحديد.

وبالتالي، سيستهلك الجسم باستمرار كميات كبيرة من الحديد في إنتاج خلايا الدم الحمراء. ولكن الجيد في الأمر، واللافت للنظر، أن 80% من الحديد المُستخدم في إنتاج هيموغلوبين الخلايا الدموية الحمراء الجديدة، هو حديد تم «تدويره» Iron Recycling، أي تم استخلاصه من خلايا الدم الحمراء المُسنّة (التي سيتم إتلافها وتعويضها في مجرى الدم بكريات دم حمراء جديدة).

ولذا فإن عمليات «صنع»، وعمليات «تكسير» خلايا الدم الحمراء، وعملية استخلاص الحديد القديم، تتم سريعاً جداً أيضاً. وبعض الدراسات الطبية تقول: «تضمن عمليات إعادة تدوير الحديد، تلبية ما يقرب من 90% من احتياجات الحديد لتكوين الكريات الحمراء». (دراسة «الجوانب المتعددة لإعادة تدوير الحديد» لباحثين من المعهد الدولي للبيولوجيا الجزيئية والخلوية في وارسو ببولندا، تم نشرها ضمن عدد 12 سبتمبر-أيلول 2021 من مجلة الجينات Genes).

وخلال السنوات الماضية، تم إحراز تقدم مهم في فهمنا لعملية التمثيل الغذائي للحديد، خصوصاً عمليات إعادة «تدوير الحديد» داخلياً في الجسم، واضطرابات هذه العملية الحيوية.

وتفيد الدراسات الطبية في هذا الجانب بأن «الحفاظ على توازن الحديد هو نتيجة التنسيق المحكَم بين عمليات امتصاص الحديد من النظام الغذائي، وعمليات إعادة تدوير الحديد بعد تلف كريات الدم الحمراء الكبيرة في السن (بعمر أكثر من 3 أشهر). وبالتالي، فإن أي اضطراب في هذه العمليات يؤدي إلى مجموعة واسعة من الأمراض، تتراوح من فقر الدم الناجم عن نقص الحديد، إلى حالات زيادة تراكم الحديد في الجسم. أي إن نتائج اضطرابات عمليات تدوير الحديد تأخذ طيفاً واسعاً متناقض الأطراف. ولا تزال الأوساط الطبية في مراحل أولية من فهم هذا الجانب.

وأحد أمثلة تداعيات اضطرابات عمليات «إعادة تدوير» الحديد التي تتسبب بنقص توفر الحديد لإنتاج خلايا الدم الحمراء، حالات فقر الدم نتيجة الإصابة بأمراض مزمنة Anemia Of Chronic Disease.

وفي المقابل، من تداعيات اضطرابات عمليات «إعادة تدوير» الحديد، حالات تراكم الحديد الثانوية Secondary Iron Overload. وهي الحالات التي يتراكم فيها الحديد في الجسم، نتيجة تلقي عدد كبير من وحدات الدم المنقول، أو الذين لديهم اضطرابات لا تُمكّن من تكوين خلايا الدَّم الحمراء بكفاءة.

معالجات تراكم الحديد... سحب الدم أو الاستخلاب
يمكن للأطباء بوسائل عدة إزالة الحديد المتراكم في الجسم، ومن أهم ذلك سحب الدم واستخدام معالجات الاستخلاب Chelation.

ويوضح أطباء «مايوكلينك» عمليات سحب الدم العلاجية بقول ما ملخصه: «سحب الدم من الجسم بشكل منتظم يشبه التبرع بالدم، ويُطلق عليه الفصد. ويهدف إلى خفض مستويات الحديد في جسمك. وتعتمد كمية الدم التي تُسحَب، وعدد مرات سحبها، على سنك وحالتك الصحية العامة ومدى شدة فرط تحميل الحديد. وفي البداية، تتم مرحلة سحب الدم العلاجي. وذلك لإزالة تراكمات الحديد المرتفعة. وبمجرد انخفاض مستويات الحديد في جسمك، يمكن سحب الدم بمعدل أقل، عادةً يكون كل شهرين إلى ثلاثة أشهر. ويعتمد ذلك على سرعة تراكم الحديد في جسمك».

أما عن الاستخلاب فيقولون: «ذلك للذين لا يستطيعون سحب الدم. لأن الفصد قد لا يكون خياراً مطروحاً إذا كنت مصاباً بفقر الدم مثلاً. وبدلاً من ذلك، قد يصف الطبيب دواءً للتخلص من الحديد الزائد. ويُمكن حقن الدواء في الجسم، أو يمكن تناوله في صورة أقراص. ويرتبط الدواء بجزيئات الحديد الزائد، ما يسمح للجسم بطردهما عبر البول أو البراز، في عملية تُسمى الخَلْب. وتُعد أَدوية استخلاب الحديد، التي تُعطى عن طريق الفم، فعّالة جدًّا في تخفيض مستوى الحديد في الجسم».

search