«30 يونيو.. أصل الحكاية» خطاب النهاية (3) مرسي يهاجم معارضيه من مدينة نصر.. والجيش يحبط مخطط الإخوان لاعتقال رموز مصر
الكاتب الصحفي مصطفي بكري
أحمد عجاج
بمناسبة مرور 11 عامًا على الثورة الشعبية، التي اندلعت في 30 يونيو 2013، اختص الكاتب الصحفي الكبير مصطفى بكري، موقع «الجمهور»، بأسرار وكواليس تنشر لأول مرة عن الثورة، تحت عنوان «30 يونيو.. أصل الحكاية».
وتعد هذه السلسة وثيقة جديدة عن مرحلة مهمة في تاريخ مصر، إذ لم يكن ما جرى من أحداث مجرد ثورة لتغيير نظام حكم، وإنما كان بمثابة وقفة جادة لاسترداد مصر من جماعة الإخوان، التي حاولت محو الهوية الوطنية، وإلقاء البلاد في غياهب المجهول.
قبل وبعد 30 يونيو، لم تكن مصر تواجه جماعة مارقة، وإنما قوى إقليمية ودولية، حاولت بشتى الطرق دعم الإخوان، وكان في مقدمة ذلك الترويج لفكرة عزل الرئيس المدني، وهي كلمة حق يراد بها باطل، مدنية الحاكم وفقا للأدبيات السياسية، أن يكون الحاكم متجردا من أي أيديولوجيا ضيقة يضع نفسه في دائرتها ويحكم شعبه وفقا لمبادئها وشروطها.
صحيح جماعة الإخوان كانت تعيش في بلادنا؛ ولكن مصر لم تكن تمثل للجماعة أي شيء، إذ ذكر منظّر الجماعة الأول «سيد قطب» أن الوطن «حفنة تراب عفن» ليأتي بعدها بسنوات المرشد الأسبق للجماعة مهدي عاكف بمقولة «الإخوان فوق الجميع»، هذه الكلمات وغيرها من المواقف، ربما تفسر لماذا خرجت تلك الحشود الهائلة في ثورة 30 يونيو، لإسقاط حكم الجماعة التي فشلت في فهم طبيعة الشعب المصري، أكثر شعوب العالم تمسكا بأرضه، وكذلك من أكثر الشعوب رفضا للطائفية.. مصر كانت وستظل أكبر من أي فصيل.
بالطبع يحمل تاريخ الدولة المصرية، مثل العديد من الدول، كبوات وأزمات، ولكن الفارق بين أمة وأخرى، هي جينات الحضارة التي تمنح الأمة القدرة على البناء والقوة في مواجهة عوامل الهدم.
«30 يونيو.. أصل الحكاية»
«هذا كله وكثيرٌ غيره» على مدار سلسلة من الحلقات، يستعرض موقع «الجمهور» تفاصيل وكواليس وأسرار «30 يونيو.. أصل الحكاية»، في رحلة بحث وتقصٍ، استهلها الكاتب الكبير مصطفى بكري بالمواجهة مع مرسي، وقضية اقتحام السجون، خطاب النهاية، لحظات الحسم، حان وقت الرحيل، الخيار الأخير، ما بعد 30 يونيو، طريق الخلاص التفويض الشعبي، اعتصام رابعة المسلح، لحظة الحقيقة.
وتعد هذه السلسلة من الحلقات، مرجعية للأجيال المقبلة لتتعرف على فترة مهمة من تاريخ مصر، التي كانت قاب قوسين أو أدنى أن تنضم إلى قائمة البلدان التي سقطت في دوامة اللا دولة.
«خطاب النهاية»
قال الكاتب الصحفي مصطفى بكري، إنه وصلت معلومات إلى القائد العام للقوات المسلحة تفيد بأن جماعة الإخوان أعدت مخططا لاعتقال القيادات المهمة فى البلاد من قادة عسكريين وأمنيين وسياسيين وإعلاميين، وكانت الخطة تقضى بالتنفيذ أثناء خطاب «الرئيس» مرسى الذى سيلقيه مساء السادس والعشرين من يونيو، أي قبل الموعد المحدد للمظاهرات العارمة بنحو أربعة أيام.
اجتماع القائد العام مع أعضاء القيادة العامة
عقد القائد العام الفريق أول عبدالفتاح السيسي اجتماعًا مع أعضاء القيادة العامة للقوات المسلحة، وكانت خطة المواجهة وإجهاض المخطط الإخواني تقضى بنشر قوات الجيش وآلياته فى جميع المناطق الحيوية للبلاد، تحسبًا لأى تطورات غير متوقعة، وبالفعل، فى الفترة من الخامسة إلى الثامنة من صباح السادس والعشرين من يونيو كانت القوات قد أكملت مهمتها فى الانتشار، وأمسكت بالأماكن والمنشآت الحيوية فى البلاد.
احباط محاولة اعتقال قادة الجيش وعدد من الإعلاميين والسياسيين
وأشار بكري، إلى أنه كانت المعلومات التي توصلت إليها الجهات المعنية، تقول إن محمد مرسى وجماعته قد أعدوا قرارات تقضى بعزل الفريق أول عبدالفتاح السيسي القائد العام ووزير الدفاع والإنتاج الحربى، ورئيس الأركان الفريق صدقي صبحى، وقيادة عسكرية أخرى، وأيضًا عزل واعتقال كل من اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية، ورؤساء الأجهزة الأمنية، وعدد كبير من السياسيين ونحو 36 إعلاميًا، والإعلان عن ثورة جديدة فى مواجهة ما كان يسميه محمد مرسى بالدولة العميقة.
اللجان النوعية الإخوانية المسلحة
وأكد بكري، كان مرسى يدرك أن الأجهزة الأمنية لن تلتزم بالتنفيذ؛ فعهد بذلك إلى اللجان النوعية الإخوانية المسلحة التي تم تسليمها كشفًا بأسماء المطلوبين، بينما كانت عملية القبض على القادة العسكريين والأمنيين سوف تتم فى أعقاب انتهاء خطاب مرسى، بينما يُعهد إلى آخرين بتسلم مواقعهم فى نفس الوقت، وقد قضت الخطة بأن تتولى هذه المجموعات الإخوانية التنفيذ،؛ مرتدية الملابس العسكرية وملابس الشرطة، منعًا لحدوث أى ردود فعل فى المقابل.
محاولات استقطاب الإخوان لقادة الجيش
ولفت الكاتب الصحفي مصطفي بكري، إلى أنه قبلها بأيام قليلة كان بعض مساعدي الرئيس قد بدأوا فى إجراء اتصالات بعدد من قادة الجيش بهدف استقطابهم، فاتصلوا بالفريق صدقي صبحى رئيس الأركان، واللواء أحمد وصفى قائد الجيش الثاني، واللواء توحيد توفيق قائد المنطقة العسكرية المركزية، فى هذا الوقت بزعم التشاور حول مستقبل البلاد، فكانت الإجابة واحدة، «مصر ليس فيها سوى وزير واحد للدفاع اسمه الفريق أول عبدالفتاح السيسي»، وفى إحدى المرات طلب خيرت الشاطر موعدًا مع أحد القيادات العسكرية ففوجئ أن السيسي فى انتظاره!.
محاولات مرسي خداع القائد العام
لقد فوجئّ محمد مرسى بانتشار كتائب القوات المسلحة فى شتى أنحاء البلاد صبيحة يوم السادس والعشرين من شهر يونيو؛ فأدرك أن انتشار الجيش يمثل خطرًا على خطة جماعته بالعزل والاعتقال، حاول مرسى خداع القائد العام، فأرسل إليه يطلب مقابلته فى قصر القبة فى تمام الحادية عشرة من صباح الأربعاء 26 يونيو، أي فى نفس يوم إلقاء الخطاب.
كان السيسي يدرك أن خطة الخداع قد بدأت، إلا أنه قال: «ريما يكون مرسى قد راجع نفسه»، فحاول إنقاذ المركب فى اللحظات الأخيرة قبل أن تغرق بمن فيها، وعلى مدى ساعتين دار حوار جدلي بين الطرفين من الحادية عشرة حتى الواحدة من ظهر نفس اليوم، تم التوصل فى نهايته إلى ضرورة أن يتضمن الخطاب خمس نقاط أساسية، هي كالتالي:
- إقالة حكومة هشام قنديل وتكليف شخصية مستقلة لتشكيل الحكومة الجديدة دون تدخل من الرئيس أو جماعة الإخوان.
- وإقالة المستشار طلعت إبراهيم النائب العام المعين، والطلب من المجلس الأعلى للقضاء ترشيح نائب عام جديد وفقًا للشروط المنصوص عليها فى الدستور وقانون السلطة القضائية.
- الإعلان فورًا عن تشكيل لجنة للتعديلات الدستورية، على أن يتعهد الرئيس بضمان تنفيذ التعديلات المقترحة وإنهاء عمل اللجنة فى فترة زمنية لا تزيد على شهر من تاريخ تشكيلها.
- موافقة الرئيس على إجراء استفتاء شعبي حول مطلب إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، والتأكيد على حيادية الرئيس ومؤسسة الرئاسة بين جميع المصريين دون انحياز لفصيل على حساب الآخرين، باعتبار أن الرئيس هو رئيس لكل المصريين وليس فقط ممثلًا لتيار جماعة الإخوان.
- الدعوة إلى تحقيق المصالحة الوطنية بين جميع أبناء الشعب والتوقف عن تصفية الحسابات مع المعارضين.
وبعد انتهاء المقابلة؛ تم الاتفاق على أن يكلف القائد العام شخصية عسكرية مرموقة، هو الفريق عبدالمنعم التراس قائد قوات الدفاع الجوي، بالتواصل مع أحد مستشاري الرئيس مرسى والقيادي بجماعة الإخوان، لإعداد مضمون الخطاب الذى سيلقيه الرئيس مساء اليوم ذاته فى قاعة المؤتمرات بمدينة نصر، وقد تم الاتفاق على أن يلتقى الطرفان فى الخامسة مساء، أي قبل أن يلقى الرئيس خطابه بقليل لقراءة المسودة الأخيرة للخطاب فى ضوء الاتفاق الذى جرى بين رئيس الجمهورية والقائد العام.
«الجيش يدق على الأبواب»
وبقول بكري، فى هذا اليوم، كنت قد كتبت مقَالًا بجريدة الوطن بعنوان: «الجيش يدق على الأبواب»، توقعت فيه انحياز الجيش للشعب وتسلم السلطة فى البلاد، ثم تسليمها إلى رئيس المحكمة الدستورية العليا، وفى هذا الوقت حدثني قائد عسكري كبير وقال لي: «لا تخف على مصر، الجيش لن يترك البلاد تسقط، ولن يسمح باشتعال الحرب الأهلية».
تطور الأحداث يوم 26 يونيو
لقد كان يوم السادس والعشرين من يونيو، مفعمًا بالأحداث والتطورات السريعة والمتلاحقة، فالمظاهرات والاعتصامات تتصاعد، خاصة بعد صدور حكم محكمة جنح مستأنف الإسماعيلية، الذى طالب صراحة بالقبض على محمد مرسى و34 من قيادات جماعة الإخوان متهمين بالتخابر وارتكاب العديد من الجرائم الجنائية.
غضب قيادات الجيش والمصريين من تطاول حازم أبو إسماعيل
وعمت حالة كبرى من الاستياء فى كافة الأوساط العسكرية والمدنية بعد التطاول الذى وجهه الشيخ حازم أبو إسماعيل عندما قال: «إن السيسي تجاوز تجاوزًا شديدًا واخترق الدستور اختراقًا بالغًا وارتكب جريمة فى حق البنيان الدستوري الذى أقسم على احترامه»؛ وكتب على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) يقول: «إذا كان هذا البلد قد بقى فيه من الرجال من يكفى لعّزه وكرامته وشرفه أن يُحاسب على ذلك حسابًا مشهودًا؛ ما دام صامتًا ولا يصحح»؛ وقال: «إن من يقبل خرق الدستور اليوم دون أن تثور كرامته يتجرع المرغدًا ولا عذر له».
لقاء السفيرة الأمريكية باللواء العصار
وفى نفس هذا اليوم التقت السفيرة الأمريكية «آن باترسون» مجددًا باللواء محمد العصار مساعد وزير الدفاع (رحمه الله)، الذى رفض كافة ادعاءاتها، وطالبها بالتوقف عن إصدار التصريحات التي تدلى بهاء وتمثل تدخلا فى الشئون الداخلية المصرية، إلا أنها راحت تشير إلى أن واشنطن لن تسمح بحدوث أي انقلاب على ما كانت تسميه بالشرعية والرئيس المنتخب.
فى هذا الوقت؛ نشرت الصفحة الرسمية لجريدة الحرية والعدالة بيانًا منسوبًا لمصادر مقربة من القصر الرئاسي يقول إن خطاب الرئيس مرسى الذى سيلقيه مساء اليوم سوف يتضمن إجراءات حازمة وقوية أبرزها:
- دعوة الشعب للاستفتاء على إلغاء أحكام المحكمة الدستورية العليا منذ 25 يناير 2011 والتحقيق فى بعض ما نسب لأعضائها السابقين والحاليين.
- دعوة مجلس الشعب الذى تم حله ظلمًا فى إطار تسيس المحكمة.
- إلغاء أحكام المحكمة المتعلقة بالحكم الصادر الذى يمنح رجال الجيش والشرطة حق التصويت فى الانتخابات، ويمنع على القيادات العسكرية الترشح للرئاسة قبل 4 سنوات.
- إحالة 84 قاضيًا للتحقيق.
- اعتقال تحفظي لقيادات جبهة (الخراب) ومساعديهم (يقصد جبهة الإنقاذ).
- إصدار أوامر للشرطة بإطلاق الرصاص على أي ملثم يرتدى القناع.
- إغلاق قنوات «الفتنة» يقصد (المعارضة) فى مدينة الإنتاج الإعلامي.
- اعتقال الإعلاميين العاملين فى هذه القنوات.
- التأكيد على تجريم الأحزاب وعلاقتها بالمخابرات الخليجية.
ويسرد بكري، عندما تم نشر هذه المعلومات على الصفحة الرسمية لجريدة «الحرية والعدالة» الناطقة باسم التنظيم الإخواني، سادت حالة من الترقب والحذر فى كافة الأوساط، ولم يتلقى أي من المسئولين هذه الأنباء بعد نشرها.
وقد تأكد الكثيرون من صحة هذه الأنباء عندما نشر الموقع الإلكتروني لصحيفة الوطن (المستقلة) معلومات نقل فيها عن مصادر عليمة «أن جماعة الإخوان عقدت اجتماعات مغلقة للشعب والمناطق على مستوى الجمهورية خلال الساعات الأربع الماضية، تتضمن خطة التنظيم وحلفائه من الإسلاميين بدءًا من مساء اليوم الأربعاء 26 يونيو حتى الثلاثاء التالي للتعامل مع المظاهرات المتوقعة».
وقال الموقع: «إن المصادر أكدت أنه تم إبلاغ هذه القواعد بالتحرك ابتداء من الساعة السابعة مساء اليوم نفسه، وقبل خطاب الرئيس مرسى بنحو ساعتين ونصف الساعة فى جميع المحافظات، خصوصًا أن الرئيس سوف يصدر قرارات مهمة أقوى من قراره السابق بإقالة المشير طنطاوي والفريق سامى عنان».
تعليمات تتضمن حشدًا قويًا فى قاعة المؤتمرات أثناء خطاب الرئيس
وقالت المصادر الإخوانية لـ«الوطن»: «إن التعليمات تتضمن حشدًا قويًا فى قاعة المؤتمرات أثناء خطاب الرئيس؛ وأيضًا تنظيم مسيرات أخرى حاشدة بالتعاون مع الإسلاميين فى القاهرة والمحافظات الأخرى بهدف السيطرة على الميادين الرئيسية».
وأوضحت المصادر أنه «من المرجح أن تشمل القرارات التي سوف يعلنها الرئيس فى خطابه اعتقالات فى صفوف المعارضة والإعلاميين؛ كما سيكشف الرئيس عن مؤامرة الثورة المضادة ضده، كما سيدعو إلى إجراء استفتاء على حل المحكمة الدستورية»، وأكد المصدر أن «الاعتصام الذى ستنظمه الجماعة وحلفاؤها لن يقتصر فقط على مسجدي رابعة العدوية والرحمن الرحيم؛ وإنما سيشمل أماكن أخرى لم تحدد بعد».
قائمة باعتقال شخصيات بارزة ورفض الداخلية والمخابرات التنفيذ
وأضاف بكري، عندما نُشرت هذه المعلومات أكدت صحة قرار القائد العام بنشر القوات فى العديد من المناطق الاستراتيجية والمهمة، وفى هذا اليوم كنت قد صرحت فى أكثر من وسيلة إعلامية بأن قائمة تضم 36 إعلاميًا وصحفيًا -كنت من بينهم- قد صدرت أوامر باعتقالهم بقرار من الرئيس مرسى شخصيًا، وأن وزارة الداخلية والمخابرات العامة والجهات الأمنية الأخرى يرفضون تنفيذ أوامر الاعتقال، وقد تأكد هذا الكلام من خلال الحديث الذى أدلى به وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم إلى قناة (cbc) فى أغسطس 2013، عندما قال: «إن وزارة الداخلية رفضت تنفيذ تعليمات الرئيس بالقبض على بعض الإعلاميين والسياسيين».
لم أكن شخصيًا متفائلًا بأن مرسى سوف يستجيب لنصائح السيسي؛ وأنه سوف ينفذ التعهدات التي قطعها على نفسه أمامه، خاصة أن الرئاسة كانت قد أصدرت بيانًا قبل خطاب مرسى بيوم واحد نفت فيه تصريحًا منسوبًا للدكتورة باكينام الشرقاوي مساعد الرئيس للشئون السياسية، بشأن اعتزام الرئيس مرسى الإعلان فى خطابه الأربعاء دعوة الناخبين للاستفتاء حول إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
حوار بين أبو العلا ماضي ووزير الداخلية
فى نحو الثامنة والنصف من مساء نفس اليوم؛ كان وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم قد وصل إلى قاعة الاستقبال الرئيسية حتى يكون فى استقبال رئيس الجمهورية، وفور وصوله استقبله المهندس أبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط المتحالف مع جماعة الإخوان وبادره بالقول:
- يا سيادة الوزير؛ قصدك إيه من وراء كلامك بأنك ستحمى المظاهرات السلمية ومش هتحمى مقرات الإخوان؟ عمومًا كل واحد بياخد موقف يتحاسب عليه.
نظر الوزير إلى «أبو العلا ماضي» وقال له بلهجة حاسمة: «لا انت ولا غيرك. هيعرفنا شغلنا» ثم تركه ودخل إلى قاعة الاستقبال.
وبعد قليل وصل إلى القاعة؛ قادة الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة وكان الكل متحفًزا، وكانت القاعة محتشدة بعناصر الإخوان التي لا تتوقف عن الهتاف والاستفزاز.
قادة الجيش فى حماية المظلات والصاعقة
فوجئ الإخوان بقوات المظلات والصاعقة تحيط بقاعة المؤتمرات من كل اتجاه؛ كانت تلك إشارة لكل من يعنيهم الأمر, وكان محمد مرسى يدرك أن الجيش قد وضعه فى موقف صعب، غير آنه سيفاجئٌ الجميع خصوصًا الفريق أول عبدالفتاح السيسي بمضمون ما سيحويه الخطاب.
فى الخامسة مساء؛ حيث الموعد المحدد؛ انتظر الفريق عبد المنعم التراسK اتصالًا من مستشار الرئيس مرسى للاطلاع على المسودة النهائية لخطاب الرئيس، لكن ذلك لم يحدث.
كان مكتب إرشاد جماعة الإخوان قد منع حدوث هذا اللقاء بعد أن بعث برسالة تتضمن النقاط التي يتوجب على الرئيس مرسى أن يركز عليها فى خطابه؛ وأن يتغاضى عن وعده الذى منحه للفريق أول عبدالفتاح السيسي.
ويؤكد بكري، كشفت عن مضمون هذه الرسالة فى حديث تليفزيونى قبيل أن يلقى مرسى خطابه بقليل؛ فجاء الخطاب بنفس مضمون الوثيقة التى كشفْتُ عنها على الهواء مباشرة.
لقد تضمنت مسودة الخطاب التي أعدها فريق من الباحثين الإخوان وعناوين مهمة؛ أبرزها:
- الرد على الحملات الإعلامية الموجهة ضد الرئيس.
- توجيه انتقادات حادة إلى ما أسمته الوثيقة بـ (جبهة التخريب)
تقصد (جبهة الإنقاذ).
- كشف مؤامرات رموز النظام السابق ضد الرئيس.
- توضيح حقائق الموقف الاقتصادى الحالى.
- كشف مؤامرات بعض الدول الخارجية ضد مصر.
- رفض تقديم أى تنازلات تتعلق بشرعية الرئيس.
- الوعد بالالتزام بتطبيق الحد الأدنى للأجور.
- التركيز على الأسباب الحقيقية لأزمة البنزين والسولار.
- التحدث بإسهاب عن تاريخ الرئيس ومسيرته الحياتية بطريقة عاطفية.
- التحذير من خطورة مظاهرات 30 يونيو والتهديد بمحاسبة المتورطين.
- طرح خطط واضحة للسيطرة على الأمن فى مصر.
- التأكيد على تبنى خطة للمشاريع المستقبلية.
هتافات معادية لوزير الداخلية من الإخوان
بمجرد دخول اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية إلى قاعة المؤتمرات الكبرى؛ انطلقت الهتافات المعادية له ولرجال الشرطة من قبل عناصر جماعة الإخوان. نظر الوزير إلى الصف الخلفي فوجد عددًا من زملائه الوزراء الإخوان، فطلب منهم إسكات هذه الأصوات ووقف الهتافات وإلا سيضطر للخروج من القاعة؛ وما هي إلا ثوانٍ معدودة حتى استجاب الذين كانوا يرددون الهتافات والتزموا الصمت بعد صدور التعليمات إليهم.
وبعد قليل، دخل إلى القاعة رئيس الوزراء هشام قنديل ومعه القائد العام ووزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي، وقد لوحظ غياب الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر وقداسة البابا تواضروس الثاني عن هذا اللقاء؛ رغم توجيه الدعوات لهما.
كان الغياب متعمدًا؛ حيث تعرض البابا لإهانات وانتقادات عديدة من رموز الجماعة والسلطة؛ كما أن شيخ الأزهر كان يعرف أن هناك مؤامرة لإبعاده من مشيخة الأزهر. وكان يدرك أيضًا أن كل ما يجرى فى جامعة الأزهر وتسميم الطلاب والمظاهرات والاعتصامات التي أعقبت ذلك كانت مقصودة وهدفها إجبار شيخ الأزهر على الاستقالة حتى يفتح الطريق أمام الشيخ يوسف القرضاوي لتولى منصب شيخ الأزهر بدلا منه.
دخول مرسي إلى قاعة المؤتمرات لإلقاء خطابه
عندما دخل الرئيس مرسى، إلى قاعة الاحتفال ردد الحاضرون هتافات التأييد، وطالبوه بإجراءات حاسمة ضد معارضيه؛ نظر إليهم نظرة لا تخلو من معنى وابتسم ثم اتجه إلى حيث المنصة لإلقاء خطابه.
بدأ مرسى خطابه بكلمات غير مترابطة وعبارات غير مفهومة، استخدم فيها لغة استفزازية متوعدًا من البداية كل معارضيه بالويل والبثور وعظائم الأمور.
لقد حوى الخطاب أكاذيب وادعاءات وتزييفًا للحقائق دفعت البعض إلى القول: «إن محمد مرسى لو شاهد خطابه مرة أخرى؛ فحتمًا سينزل معنا مظاهرات 30 يونيو للمطالبة برحيل محمد مرسى».
وحصل النائب العام «السابق» المستشار عبدالمجيد محمود، على نصيب وافر من الهجوم؛ حيث اتهمه واتهم النيابة العامة فى عهده بأنها لم تجتهد فى تقديم الأدلة فى قضايا 25 يناير, ولذلك حصل الكثير من الضباط والمتهمين على أحكام بالبراءة التي أصدر فيها القضاء أحكامه؛ وحمّله مسئولية فشل قضية مبارك بزعم أنه لم يقدم تقرير لجنة تقصى الحقائق؛ وكذلك الأمر بالنسبة لوزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي؛ غير أن مرسى تجاهل فى هذا الوقت أن النيابة العامة قدمت تقرير تقصى الحقائق إلى المحكمة.
أكاذيب جماعة الإخوان فى خطاب مرسي
ويروي الكاتب الصحفي مصطفي بكري، فى هذا الوقت كنت موجودًا على شاشة قناة «دريم» للتعليق على خطاب محمد مرسى؛ وقد تدخل المستشار عبدالمجيد محمود ليؤكد أن النيابة العامة سلمت تقرير تقصى الحقائق إلى المحكمة؛ وأن مرسى يتجاهل الحقائق ويدعى ادعاءات زائفة.
واتهم مرسى، أيضًا فى خطابه المستشار عبدالمجيد محمود، بأنه وراء غياب الأدلة فى قضية موقعة الجمل, ولذلك حصل المتهمون جميعًا على البراءة فيها رغم أنه يعلم أن النيابة العامة لم تكن لها علاقة من قريب أو بعيد بهذه القضية؛ وأن هناك قاضيّ تحقيق عين بقرار من وزير العدل هو الذى تولى التحقيق فى هذه القضية من البداية إلى النهاية؛ وهو الذى تولى تقديمها إلى هيئة المحكمة.
ولقد سخر «الرئيس» (المعزول) مرسى من لجوء النائب العام الشرعي إلى محكمة النقض لإنصافه والاعتراض على قرار عزله؛ واعتبر أن ذلك يُعَدُ انقلابًا على الشرعية.
وتحدث محمد مرسى عن الفريق أحمد شفيق؛ وكان حديثه يعكس غلا وحقدًا وخوفًا ورعبًا من احتمالية عودته إلى مصر فى 30 يونيو كما سبق أن تردد .
فى هذا الخطاب راح محمد مرسى يسبق القضاء ويوجه الإدانة إلى الفريق شفيق؛ وقال إنه مدان فى قضايا أرض الطيارين؛ والأدهى والأغرب أنه جاء بقضية جديدة لا يعرف أحد عنها شيئًا؛ ولم نر لها وجودًا فيما بعد؛ وهو ما أسماه مرسى بصفقة شراء طائرات «البوينج»؛ وقال فى هذا الخطاب: «إن أحمد شفيق اشترى صفقة الطائرات بأسعار أعلى بكثير من أسعارها الحالية»؛ وكانت نقطة الخطر فى هذا الخطاب؛ عندما راح محمد مرسى يوجه الاتهام إلى القاضي «على النمر» وهو من ضمن هيئة المحكمة التي كانت تنظر قضية الفريق شفيق بأنه قاض مزوّر؛ دون سند أو دليل؛ حيث ادعى بأنه رأى بأم عينيه عندما كان مرشحًا فى انتخابات 2005 التي لم يفز فيها؛ كيف كان هذا القاضي يقوم بتزوير الانتخابات لصالح منافسه بنفسه شخصيًا.
تخبط خلال الخطاب بين الإشادة والإساءة للقضاء
كان مرسى، يشيد بالقضاء فى خطابه؛ وبعد ثوانٍ يشكك فى أحكامه ويتهم قضاته باتهامات كاذبة؛ ونسى أنه هو الذى استباح حرمة القضاء بالإعلان الدستوري الذى أصدره فى 22 نوفمبر 2012 وأنه هو الذى أعطى الضوء الأخضر لحصار المحكمة الدستورية العليا وإهانة قضاتها وخالف أحكامها.
ولم يتوقف مرسى فى خطابه عند هذا الحد؛ بل راح يردد نفس مقولات جماعة الإخوان التى ينتمى إليها؛ فاتهم الإعلام بأنه «فاسد» وأنه سبب كافة الأزمات المجتمعية؛ وأنه يتحمل مسئولية انهيار السياحة؛ لأنه على حد زعمه يدفع بكاميراته إلى المناطق الأثرية وتصويرها خالية من السياح.
تحذيرات مرسي للصحفيين والإعلاميين
وحذِّر مرسى، فى هذا الخطاب الصحفيين والإعلاميين. ووجّه لهم إنذاره الأخير,؛ وقال «كفاية سنة»؛ وأعلن أن وقت الحساب قد حان؛ وقبيل أن ينهى جملته؛ انطلق نفر من عشيرته يهتفون «ربيهم يا ريس»؛ على نمط شعارهم الذى أطلقوه أثناء حصارهم للمحكمة الدستورية العليا فى نوفمبر2012 «ادينا الإشارة.. نجيبهم لك فى شيكارة».
وتعمد مرسى، فى خطابه الإساءة إلى مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين الأسبق؛ لمجرد أن مكرم عبّر عن رأيه فى هذا النظام؛ كما وصف إحدى الإعلاميات وكان يقصد «لميس الحديدى.
وراح مرسى يعاير الصحفيين وتفضل عليهم؛ عندما ألغى الحبس الاحتياطي فى قضايا سب رئيس الجمهورية وراح يوجه تهديداته إليهم. وتجاوز مرسى الحقيقة عندما تحدث عن الأوضاع الاقتصادية؛ وراح يطلق الأرقام العشوائية.
الإشادة بجهاز الشرطة
وكان غريبًا حسبما أكد الكاتب الصحفى مصطفى بكرى، أن يشيد محمد مرسى، بالشرطة فى الوقت الذى أطلق فيه أنصاره لمحاصرة مقر الأمن الوطني بمدينة نصر؛ الذين لا يتوقفون عن توجيه الانتقادات إلى رجالها وانتقاد الأحكام القضائية التي تبرئ المتهمين من رجال الشرطة فى الأحداث التي تلت ما جرى فى «ثورة» الخامس والعشرين من يناير.
وردد فى خطابه أكثر من مرة أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة؛ وأنه صاحب القرار فى أمورها؛ وأن الفريق أول السيسي ينفذ تعليماته؛ وأن هناك متآمرين يحاولون الإساءة للعلاقة بين مؤسسة الرئاسة وبين القوات المسلحة.
مرسي يشعر بأنه «الإله»
لقد تحدث وكأنه الحاكم «الإله»؛ يُصدر الأحكام كيفما يشاء؛ وكاد يشعل البلاد نارًا عندما قال: «خلال أسبوع أطلب من جميع المسئولين إقالة المتسببين فى الأزمات».
ووضحت مخاوفه جلية؛ عندما راح يطلب من القضاء حبس جميع خصومه؛ ويتساءل: لماذا لم يُلِقَّ القبض على اللواء محمود وجدى وزير الداخلية الأسبق فى موقعة «الجمل»؛ ويتوعد الذين حصلوا على البراءة بالمطاردة حتى آخر العمر!!
انتشار القوات المسلحة
كانت القوات المسلحة قد أكملت انتشارها حول مبنى قاعة المؤتمرات، الذى ألقى فيه مرسى خطابه على مدى ساعتين ونصف الساعة من الزمان؛ كنت أتابع الخطاب من على شاشة قناة «دريم» انتظارًا للتعليق عليه؛ وقد أصابتنى موجة من الضحك والسخرية فى هذا الوقت «بدءًا من الواد أبو سكينة وانتهاءً بعاشور بتاع الشرقية,!! كان الشارع المصرى يتابع الخطاب بدهشة شديدة؛ وكان التعليق الوحيد الذى انطلق فى هذا الوقت الراجل اتجنن»؛ بينما رفع المتظاهرون الذين كانوا يتواجدون أمام مبنى وزارة الدفاع منذ الحادى والعشرين من يونيو شعار «ارحل» وراحوا يرددون الشعار بكل قوة حتى صباح اليوم التالى.
خطاب مرسي يشعل الغضب
وقد اشتعل الغضب فى هذا الوقت فى نفوس قضاة مصر؛ حيث دعا المستشار أحمد الزند -رئيس نادى القضاة- إلى العديد من الاجتماعات الطارئة للرد على اتهام مرسى لأحد القضاة بالتزوير.
وازداد الموقف لهيبًا. عندما بدأت عملية إرهاب القضاة؛ حيث تمت إحالة 32 قاضيًا للتحقيق بتهمة تزوير انتخابات البرلمان دورتى 2005-2010.
وقد أمر النائب العام المعين طلعت إبراهيم عبدالله فى اليوم نفسه بتشكيل لجنة لحصر جميع القضايا والبلاغات غير المقيدة بنيابة أمن الدولة العليا تمهيدًا لاستئناف التحقيقات فيها وعرض نتائجها على الرأي العام فى حينه.
وهكذا بدأت البلاد تدخل مرحلة الصدام المباشر وتصفية الحسابات، مما كان ينذر بأن يوم الثلاثين من يونيو حتمًا سوف يضع نهاية لكل هذا الظلم؛ وينهى إلى الأبد حكم الجماعة.
رد المتحدث العسكري الذي طمأن الشعب
وعندما تساءل الناس فى هذا الوقت: ولماذا يحضر السيسي هذا الخطاب؟ وتخوفوا من أن يشكل ذلك دعمًا لحكم مرسى؛ رد متحدث عسكري بالقول «إن حضور القائد العام كان بروتوكوليًا؛ وأن حضوره لا يعنى الموافقة على خطاب مرسى الخطير, الذى أثار ردود فعل كبيرة».
وقد اطمئن الناس كثيرًا بعد هذا التصريح الذى فهمه الجميع بما يفيد أن القوات المسلحة لن تتخلى عن الشعب فى ثورته.
محاولات القبض علي بكري من منزله
لقد تلقيت فى هذا اليوم رسالة هاتفية من أحد كبار الضباط يطلب منى عدم المبيت فى منزلي؛ لأن قرارًا صدر باعتقالي أنا وعدد آخر من الإعلاميين. وأن عناصر من جماعة الإخوان هي التي ستتولى عملية الضبط.
ساعتها قلت له: لن أغادر منزلي مهما حدث.؛ وأنا سأبقى متحفرًا فى الانتظار.. قال المسئول الأمني: طيب.. خلى بالك من نفسك..
تأملت المشهد فى هذا الوقت؛ جمعت زوجتي وأولادي فى لقاء خاص؛ وقلت لهم: من الآن انسوني؛ صحيح أنني لم أترك لكم شيئًا؛ ولكن عندما يتعرض الوطن للخطر؛ علينا أن ننسى أنفسنا وبيوتنا ونرتدى الكاكي للدفاع عن مصر.
شعرت بالقلق على وجه زوجتي وأبنائي؛ كانوا يعيشون ذات الحالة؛ وكنا على يقين أن يوم الثلاثين من يونيو هو يوم فاصل فى تاريخ مصر؛ فأما نكون أو لا نكون!!
- وفى الحلقة المقبلة انتظروا أسرارًا تنشر لأول مرة حول ثورة الشعب.
اقرأ أيضا:
30 يونيو.. أصل الحكاية، مصطفى بكرى يكشف لـ«الجمهور» أسرار تنشر لأول مرة عن الثورة
تابع موقع الجمهور عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع الجمهور عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا
الجمهور، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة المصرية، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار، الاقتصاد، حوادث وقضايا، تقارير وحوارات، فن، أخبار الرياضة، شئون دولية، منوعات، علوم وتكنولوجيا، خدمات مثل سعر الدولار، سعر الذهب، سعر الفضة، سعر اليورو، سعر العملات الأجنبية، سعر العملات المحلية.
أخبار ذات صلة
هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في سوق العمل؟
-
نعم
-
لا
أكثر الكلمات انتشاراً